للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يقال: لِم لَم يلزم الاسلام المرأة بالعمل ويكلفها من الأعباء بمثل ما كلف الرجل؟ وجوابنا على هذا سنسمعه في آخر هذه الأبحاث حين نناقش هذا الموضوع: هل من مصلحة الاسرة والمجتمع أن تكلف المرأة بالعمل لتنفق على نفسها، أو تسهم في الانفاق على نفسها، وعلى أولادها؟ أم أن تتفرغ لشؤون بيتها وأولادها؟

وحسبنا أن نقول الآن: أنه لا مجال للمطالبة بمساواة المرأة مع الرجل في الميراث إلا بعد مطالبتها بمساواتها في الأعباء والواجبات .. إنها فلسفة متكاملة، فلا بد من الأخذ بها كلها أو تركها كلها .. أما نحن كمسلمين فنرى أن فلسفة الاسلام في ذلك أصح، وأكثر منطقية، وأحرص على مصلحة الأسرة والمجتمع والمرأة ذاتها .. وفي تجارب الحضارة الحديثة التي سنذكر طرفاً منها ما يؤيد وجهة نظر الاسلام لمن أراد الحق خالصاً من الأهواء والرغبات العاطفية ..

وقبل أن أنتقل من بحث هذا الموضوع أرى من المفيد أن أتعرض لفائدتين تاريخيتين:

الأولى: ان نصارى جبل لبنان في عهد الحكم العثماني كان من أسباب نقمتهم عليه أنه أراد أن يطبق عليهم أحكام الشريعة الاسلامية فيما يتعلق بالميراث فقد غضبوا لأن الشريعة تعطي البنت نصيباً من الميراث يعادل نصف نصيب أخيها، وليس من عادتهم توريثها لأن ما تأخذه من المال يذهب الى زوجها، وقد ذكر هذا الأب بولس سعد في مقدمة كتابه "مختصر الشريعة" للمطران عبد الله قراعلي واليكم نص عبارته: "جاء في الرسالة التي أنفذها البطريرك يوسف حبيش الى رئيس مجمع نشر الايمان المقدس في ٢٩ أيلول ١٨٤٠ ما يلي: وأما الآن فمن حيث أن القضاة أخذوا يمشوا كلشي (كل شيء) في الجبل على موجب الشرائع الاسلامية فصار عمال يقع السجن والاضطهاد من هذا التغيير وبالأخص من جهة توريث البنات، لأن الشرائع الاسلامية تحدد أن كل بنتين ترثا بقدر ما يرث صبي واحد، ومن هنا واقع خصومات ومنازعات وشرور متفاقمة واضطرابات، من حيث أن العادة السابقة كانت سالكة في هذا الجبل عند الجمهور أغنياء وفقراء بأن الابنة ليس لها إلا جهاز معلوم بقيمة المثل من والديها، إلا اذا هم أوصوا بشيء خصوصي.

ومن سلوك القضاة الآن بخلاف ذلك صار الوالدين في اختباط حال

<<  <   >  >>