للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الاستاذ الامام في تفسيره:

"فمن تأمل الآيتين (اللتين ذكرناهما من سورة النساء) علم أن اباحة تعدد الزوجات في الاسلام أمر مضيق فيه أشد التضييق، كأنه ضرورة من الضرورات التي تباح لمحتاجها بشرط الثقة باقامة العدل، والأمن من الجور، وإذا تأمل المتأمل مع هذا التضييق ما يترتب على التعدد في هذا الزمان من المفاسد، جزم بأنه لا يمكن لأحد أن يربي أمة فشا فيها تعدد الزوجات، فإن البيت الذي فيه زوجتان لزوج واحد لا تستقيم له حال، ولا يقوم فيه نظام، بل يتعاون الرجل مع زوجاته على إفساد البيت، كأن كل واحد منهم عدو للآخر، ثم يجيء الأولاد بعضهم لبعض عدو، فمفسدة تعدد الزوجات تنتقل من الأفراد الى البيوت، ومن البيوت الى الأمة.

ثم قال: كان للتعدد في صدر الإسلام فوائد أهمها صلة النسب والصهر الذي تقوى بالعصبية، ولم يكن من الضرر مثل ما له الآن ... لأن الدين كان متمكنا من نفوس النساء والرجال، وكان أذى الضرة لا يتجاوز ضرتها، أما اليوم فإن الضرر ينتقل من لك ضرة الى ولدها، الى والده، الى سائر أقربائه، فهي تغري بينهم العداوة والبغضاء، تغري ولدها بعداوة اخوته، وتغري زوجها بهضم حقوق ولده من غيرها، وهو بحماقته يطيع أحب نسائه اليه، فيدب الفساد في العائلة كلها".

الى أن يقول: "وناهيك بتربية المرأة التي لا تعرف قيمة الزوج ولا قيمة الولد، وهي جاهلة بنفسها، وجاهلة بدينها لا تعرف منه إلا خرافات وضلالات تلقفتها من أمثالها، يتبرأ منها كل كتاب منزل، وكل نبي مرسل، فلو تربى النساء تربية دينية صحيحة يكون بها الدين هو صاحب السلطان الأعلى على قلوبهن، بحيث يكون هو الحاكم على الغيرة، لما كان هناك ضرر على الأمة من تعدد الزوجات، وإنما يكون ضرره قاصرا عليهن في الغالب، أما والأمر على ما نرى ونسمع، فلا سبيل الى تربية الأمة مع فشو تعدد الزوجات فيها، فيجب على العلماء النظر في هذه المسألة - خصوصاً الحنفية منهم - الذين بيدهم الأمر، وعلى مذهبهم الحكم فهم لا ينكرون أن الدين أنزل لمصلحة الناس وخيرهم، وإن من أصوله منع الضرر والضرار، فاذا ترتب على شيء مفسدة في زمن لم تكن تلحقه فيما قبله، فلا شك وجوب تغير الحكم وتطبيقه على الحال الحاضرة، يعني على قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

<<  <   >  >>