للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهل الخلود وأهل الخروج]

نعم أيها المسلمون! يخلد في النار أهل الكفر أهل الشرك أهل الكبر على الله، الذين قتلوا وذبحوا الموحدين، وصدوا عن سبيل رب العالمين، وتكبروا على عبادة الله.

أرسل الله إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وأبقى لهم العلماء فذكروهم بالله، ونقلوا لهم كلام الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتكبروا وكفروا وعاندوا، وأصروا على الشرك وعلى الكبر، وعلى الصد عن سبيل الله جل وعلا، هؤلاء هم أهل الخلود: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} [هود:١٠٦ - ١٠٨].

اللهم اجعلنا من أهل السعادة، واجعلنا من أهل الجنان.

{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:١٠٨] أي: غير مقطوع ولا منته.

أهل الخلود هم: أهل الكفر والشرك، وأهل الخروج هم: أهل التوحيد، فمن مات على كبيرة من الكبائر كالزنا أو شرب الخمر، أو عمل قوم لوط أو غير ذلك من الكبائر، وغلبت سيئاته الحسنات، ومات مصراً على معصية رب الأرض والسماوات -حتى ولو كان من أهل التوحيد- فإنه متوعد بأن يطهره الله في النار، ومن منا يصبر على النار ساعة؟! فإذا طهره الله في النار فإنه يخرج منها بعد ذلك برحمة الله أرحم الراحمين، أو بشفاعة سيد المرسلين، أو بشفاعة المؤمنين الصادقين من أمة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: (لكل نبي دعوة مستجابة، فدعا كل نبي بدعوته إلا أنا، فقد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئاً).

اللهم إنا نشهدك أننا نوحدك، ونؤمن بنبيك صلى الله عليه وسلم، فاختم لنا بالتوحيد كما وفقتنا إلى التوحيد يا رب العالمين! اسمع لنبيك لتعرف فضل التوحيد أيها الموحد! فإنه يعز عليَّ أن أتكلم عن النار دون أن أرغب الأخيار، فرحمة العزيز الغفار لأهل التوحيد من أمة النبي المختار واسعة، ففي الحديث الصحيح الطويل الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد، وفيه ذكر شفاعة المؤمنين لإخوانهم الذين دخلوا النار، فيقول أهل الإيمان: (يا رب! إن إخواننا كانوا يصلون ويصومون ويحجون معنا -أي: شفعنا فيهم- فيقول الله جل وعلا: اذهبوا فأخرجوا من النار من عرفتم، فيعرفون في النار بأثر السجود، فإن الله حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيرجعون إلى الله ويقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا به، فيقول الرحمن: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ويقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا به، فيقول الرحمن: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ويقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا به، فيقول الرحمن: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ويقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا به، فيقول أرحم الراحمين: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض الله جل وعلا قبضة فيخرج من النار خلقاً كثيراً قد امتحشوا -أي: قد أكلتهم النار- فيصب عليهم من ماء نهر في الجنة يقال له: نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فيخرجون إلى الجنة كاللؤلؤ وفي رقابهم الخواتيم، يعرفهم أهل الجنة إذا ما نظروا إليهم ويقولون: هؤلاء عتقاء الرحمن من النار، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه).

اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ونجنا من النار برحمتك يا عزيز يا غفار! وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم!

<<  <  ج: ص:  >  >>