للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معاقبة الله للمرائي في الدنيا بضد قصده ونيته]

أود أن أحذر من جزئية خطيرة جداً، ألا وهي: أن الله يعاقب المرائي في الدنيا بضد قصده ونيته، والمعاقبة بضد القصد والنية ثابت شرعاً وقدراً.

ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمّع سمّع الله به، ومن راءى راءى الله به) نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن الخطابي قال: أي: من عمل عملاً من أعمال الخير والطاعة يبتغي أن يراه الناس، وأن يسمعوه، عاقبه الله بضد قصده ونيته، ففضحه الله جل وعلا، وأظهر للناس باطنه.

اللهم استرنا ولا تفضحنا، اللهم استرنا ولا تفضحنا.

اللهم استرنا ولا تفضحنا، فالمرائي يظهر الله سريرته ونيته، ويبين الله للناس قصده، ألم تسمع أيها الحبيب أناساً يشهدون لرجل بالصلاح، ويشهدون لرجل بالنفاق، كما قال المصطفى: (هذه الأمة هم شهداء الله في الأرض) لماذا؟ لأنه ظن المسكين أنه أغلق على نفسه الأبواب والنوافذ، وأرخى الستور، وتجرأ على معصية الله جل وعلا، فلم يره أحد، فليعلم بأن الله سيظهره ويفضحه على رءوس الأشهاد في الدنيا قبل الآخرة، هذا لمن جاهر بالمعصية، وتجرأ عليها من غير خوف من الله ولا وجل، أما أن يزل الرجل بمعصية، فإذا قارف المعصية بكى، وارتعد قلبه، وخاف من الله عز وجل؛ فهذا هو المؤمن التقي الذي أرجو الله أن يختم لي وله بخاتمة التوحيد والإيمان، فإن الله قد ذكر المتقين في قرآنه، وذكر من صفاتهم أنهم قد يقعون في الفاحشة، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٣ - ١٣٥].

فشتان بين مصر وبين وجل من الله العلي الأعلى جل وعلا.

أيها الأحبة الكرام! لا أريد أن أترك الحديث عن الرياء، فإن الأمر خطير، وكيف لا وهو أول شيء يقضي الله فيه يوم القيامة؟! أول من يقضى عليهم يوم القيامة هم أهل الرياء، فوالله إن الأمر يحتاج إلى تذكير في كل لقاء، بل في الليل والنهار؛ لتكون القلوب على وجل، وليكون المسلمون على حذر من الله، ليجدد الإنسان نيته مع كل شربة ماء، ومع كل عطاء، ومع كل عمل، ومع كل دعوة، ومع كل طاعة، أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>