للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! هؤلاء هم أول من يقضي الله بينهم من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فما هو أول ما يحاسب عليه العبد بين يدي الله جل وعلا؟ هذا هو عنصرنا الثالث من عناصر هذا اللقاء.

والجواب في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وغيرهم، وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر).

والله إن القلب ليبكي، وإن العين لتدمع، وإنا لما حل بأمة الصلاة لمحزونون! فوالله إن من هذه الأمة من لا يدخل بيوت الله جل وعلا إلا في كل جمعة فقط، ومن هذه الأمة من لا يدخل إلى المساجد إلا في العيدين! ومن هذه الأمة من لا يدخل المسجد في حياته إلا مرة واحدة! لا من أجل أن يصلي، وإنما من أجل أن يصلى عليه! وليته ما جيء به ليصلى عليه.

الصلاة الصلاة! الصلاة الصلاة! فإن آخر وصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة.

الصلاة ضيعتها الأمة إلا من رحم ربك جل وعلا، ومن صلى ضيع الصلاة بإخلالها، ما اطمأن في ركوعه، ما اطمأن في سجوده، ما اطمأن في قيامه، ولقد روى البخاري من حديث حذيفة بن اليمان أنه رأى رجلاً يصلي لا يتم الركوع، ولا يتم السجود، فلما أنهى الرجل صلاته قال له حذيفة: (والله ما صليت، ولو مت على هذا لمت على غير سنة محمد).

أحذر من ينقرون الصلاة كنقر الغراب! إذا وقف بعضهم في الصلاة واستمع إلى الإمام غلت الدماء في عروقه! إن أطال الإمام يسيراً، يريد أن ينفلت من الصلاة! بينما يقف في إستاد رياضي الساعات الطوال، ويقف أمام راقصة داعرة فاجرة في عرس ساهر ماجن طوال الليل! وإن أطال الإمام يريد أن يتفلت! ثم يحتج على ذلك بأحاديث لا يفهم مرادها ولا مناطها، والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا، إلا أن القلوب خبيثة إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، فهذا صلى ولكنه لم يحسن الركوع ولا السجود، فقال له حذيفة بن اليمان: (والله ما صليت، ولو مت على هذا لمت على غير سنة محمد) فماظنكم بمن ضيع الصلاة؟! ما ظنكم بمن ترك الصلاة؟! قال جل في علاه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:٥٩].

ما هو الغي؟ قال ابن عباس وعائشة: الغي نهر في جهنم، بعيد قعره، خبيث طعمه.

وقال جل وعلا: {كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً * كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ * كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [المدثر:٣٢ - ٥٥].

أيها المسلم! لماذا تعرض عن التذكرة لماذا أعرضت عن الله يا من ضيعت الصلاة؟! لماذا أعرضت عن رسول الله؟! كم من المسلمين من يجلس على المقاهي ويسمع الأذان: حي على الصلاة ولا يجيب وهو مسلم يدعي الإسلام، ويتغنى به، بل ولو ذهبت لتذكره لقال لك: إنني أحمل قلباً أبيض كاللبن، وقلبه أسود من ظلام الليل، لو كان قلبه يحمل ذرة إيمان لاتقى الرحمن، ولانقاد لسيد ولد عدنان، وسمع النداء: حي على الصلاة، وقام يسرع كما يسرع لشهوة حقيرة من شهواته، وكما يسرع للذة فانية من لذات الدنيا، لو جاءه عقد عمل في دولة من الدول، وقيل له: الطائرة ستقلع في السادسة صباحاً، أو في جوف الليل، لذهب إلى المطار قبل الموعد بساعات، لماذا؟ لأنه ينطلق إلى عمل من أعمال الدنيا، إلى لذة من لذائذه، أما أمر الله فيجلس على المقهى، ويجلس على المعصية، ويجلس أمام التلفاز في الليل والنهار، أمام المباريات والمسلسلات والأفلام، ويأتيه التلفاز الخبيث ليقول له: حان الآن موعد صلاة الظهر! حان الآن موعد صلاة العصر! هل يتحرك هذا المسلم؟! وهل هذا مسلم؟! كيف يسمع الأذان ولا يتحرك؟! أين إسلامك؟! أين إيمانك؟! كفى هذا الزعم الباهت الذي لا يغني ولن يغني عنك من الله شيئاً، أين صلاتك؟! أين إذعانك لله وانقيادك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ يسمع النداء ولكنه لا يحمل قلباً، فإن قلبه قد مات، ولا يحمل أذناًُ فإن أذنه قد صم إلا على الأغاني الماجنة، إلا على المسلسلات الخليعة الفاجرة، إلا على المباريات التافهة التي حولت الأمة من الجد إلى الهزل، يوم أن ضيعت الأمة الجد والرجولة، وعشقت الهزل واللعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>