للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الانتكاس، وهذا هو الذى انطبق عليه: حذْوَ القُذة بالقُذّة، قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (هود: الآية: ١٥ - ١٦).

والأحاديث كثيرة، منها حديث أبى هريرة فى الثلاثة الذين هم أول من تسعّر بهم النار: الغازى، والمتصدق، والقارىء، الذين أرادوا بذلك الدنيا، والنصيب. وهو فى مسلم (١).

فانظر محبة الدنيا كيف حَرَمتْ هؤلاء من الأجر، وأفسدت عليهم عملهم، وجعلتهم أول الداخلين إلى النار.

رابعاً: أن محبتها تعترض بين العبد وبين فعل ما يعود عليه نفعه فى الآخرة باشتغاله عنه بمحبوه، والناس ها هنا مراتب: فمنهم من يشغله محبوبه عن الإيمان وشرائعه، ومنهم من يشغله حبها عن كثير من الواجبات، ومنهم من يشغله عن واجب يعارض تحصيلها - وإن قام بغيره - ومنهم من يشغله عن القيام بالواجب فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى، فيفرط فى وقته وفى حقوقه، ومنهم من يشغله عن عبودية قلبه فى الواجب، وتفريغه لله عند أدائه، فيؤديه ظاهراً لا باطناً، وأين هذا من عشاق الدنيا ومحبيها، هذا من أندرهم وأقل درجات حبها أن يشغل عن سعادة العبد، وهو تفريغ القلب لحب الله، ولسانه لذكره، وجمع قلبه على لسانه، وجمع لسانه وقلبه على ربه، فعشقها ومحبتها تضر بالآخرة ولا بد، كما أن محبة الآخرة تضر بالدنيا.

خامساً: أن محبتها تجعلها أكبر همّ العبد، وقد روى الترمذى من


(١) رواه مسلم (١٣/ ٥٠، ٥١) الجهاد والسير.

<<  <   >  >>