للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُتَعَدِّدَةٍ وَأَلْفَاظٍ أُخَرَ، مَعْنَاهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَكَذَلِكَ فَسَّرَهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ [ذَلِكَ] عَنْ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحُذَيْفَةُ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

وَقَالَ تَعَالَى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: ١٥]. احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ, وَقَالَ الْحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الْأَصَمُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَضَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ، وَقَدْ جَاءَتْهُ رُقْعَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ فِيهَا: مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}؟ [الْمُطَفِّفِينَ: ١٥] فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا أَنَّ حُجِبَ هَؤُلَاءِ فِي السُّخْطِ، كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يرونه في الرضى.

وأما استدلال المعتزلة بقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} [الْأَعْرَافِ: ١٤٣]، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} , فَالْآيَتَانِ دَلِيلٌ عَلَيْهِمْ:

أَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى: فَالْاسْتِدْلَالُ مِنْهَا عَلَى ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِكَلِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْكَرِيمِ وَأَعْلَمِ النَّاسِ بِرَبِّهِ فِي وَقْتِهِ, أَنْ يَسْأَلَ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَالِ. الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سُؤَالَهُ، وَلَمَّا سَأَلَ نُوحٌ رَبَّهُ نَجَاةَ ابْنِهِ أَنْكَرَ سُؤَالَهُ، وَقَالَ: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هُودٍ: ٤٦]. الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {لَنْ تَرَانِي}، وَلَمْ يَقُلْ: إِنِّي لَا أُرَى، أَوْ لَا تَجُوزُ رُؤْيَتِي، أَوْ لَسْتُ بِمَرْئِيٍّ, وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ ظَاهِرٌ, أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي كُمِّهِ حَجَرٌ فَظَنَّهُ رَجُلٌ طَعَامًا فَقَالَ: أَطْعِمْنِيهِ، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، أَمَّا إِذَا كَانَ طَعَامًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَأْكُلَهُ, وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَرْئِيٌّ، وَلَكِنَّ مُوسَى لَا تَحْتَمِلُ قُوَاهُ رُؤْيَتَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، لِضَعْفِ قُوَى الْبَشَرِ فِيهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى. يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الرَّابِعُ, وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الْأَعْرَافِ: ١٤٣]. فَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْجَبَلَ مَعَ قُوَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ لَا يَثْبُتُ لِلتَّجَلِّي فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَكَيْفَ بِالْبَشَرِ الَّذِي خُلِقَ مِنْ ضَعْفٍ؟ الْخَامِسُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْجَبَلَ مُسْتَقِرًّا، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ، وَقَدْ عَلَّقَ بِهِ الرُّؤْيَةَ،

<<  <   >  >>