للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا قَوْلِ فُلَانٍ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ, وَكَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَمِعْتُ الْحُمَيْدِيَّ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ قَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كذا وكذا، فقال رجل لِلشَّافِعِيِّ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟! فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تراني في كنيسة! تراني في بيعة! تراني على وسطي زنار؟! أَقُولُ لَكَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ تَقُولُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟! وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ السَّلَفِ كَثِيرٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الْأَحْزَابِ: ٣٦].

وَخَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، عَمَلًا بِهِ وَتَصْدِيقًا لَهُ: يُفِيدُ الْعِلْمَ [الْيَقِينِيَّ] عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيِ الْمُتَوَاتِرِ, وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ سَلَفِ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ، كَخَبَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" ١، وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ٢، وَخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا" ٣، وَكَقَوْلِهِ: "يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ" ٤، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ, وَهُوَ نَظِيرُ خَبَرِ الَّذِي أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ وَأَخْبَرَ أَنَّ الْقِبْلَةَ تَحَوَّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَيْهَا٥.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُ رُسُلَهُ آحَادًا، وَيُرْسِلُ كُتُبَهُ مَعَ الْآحَادِ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ يَقُولُونَ لَا نَقْبَلُهُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ! وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التَّوْبَةِ: ٣٣]. فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْفَظَ اللَّهُ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ.

وَلِهَذَا فَضَحَ اللَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وَبَيَّنَ حَالَهُ لِلنَّاسِ, قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَا سَتَرَ اللَّهُ أَحَدًا يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ, وَقَالَ عَبْدُ الله بن


١ متفق عليه، من حديث عمر، وهو أول حديث في "صحيح البخاري".
٢ متفق عليه من حديث ابن عمر.
٣ متفق عليه، وهو مخرج في "الإرواء" برقم "١٨٨٢".
٤ متفق عليه من حديث عائشة، وهو في "الإرواء" أيضا "١٨٧٦".
٥ متفق عليه من حديث البراء بن عازب وانظر لفظه وتخريجه في "صفة الصلاة".

<<  <   >  >>