للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولأن الكلام لو كان مخلوقا كان لا يخلو من أن يخلقه في نفسه (وهذا محال) (١) لاستحالة أن يكون محلا للحوادث، ويستحيل أن يخلقه في غيره لأنه لو كان مخلوقا في غيره لكان مضافا إلى ذلك الغير باخص أوصافه كسائر الأعراض التي هي علم وقدرة وحياة إذا خلقها في غيره ولو كان كذلك لم يكن كلام الله ولا أمرا له.

فإن قيل: يكون كلاما له كما يكون فعله تفضلا له وإن كان في غيره.

قيل: التفضل هو اسم يعم أجناسا، ونحن قلنا يضاف إليه باخص أوصافه فإن كان قوة أضيفت إلى ما خلقت فيه وإن كان سمعا وبصرا فكذلك فقولوا بأنه يضاف إليه باسم الأمر والنهي بلفظ الكلام والقول فإن لم يضيفوه لا بالأخص ولا بالأعم ولا إلى الجملة ولا إلى المحل فقد افترق الأمر فيهما.

فإن قيل: لو كان كلامه غير مخلوق لكان لم يزل مخبرا: {انَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} (٢) ولم يزل يرسل وذلك كذب.

قيل: أو ليس قد قال (٣): {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} ولم يقل بعد (٤) أفهو كذب فإن قال: معناه سيقول.

قيل ذلك قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}. في أزله خبرا، عن أن "سنرسل نوحا" قبل إرساله فإذا أرسل يكذب (٥) خبرا، عن إرساله أنه وقع من غير أن يحدث خبرا كما أن علمه بان سيكون الدنيا علمه بأنه كائن واذا كان لم يحدث علم إنما حدث المعلوم والمخبر عنه، دون العلم والخبر، فإن قالوا: لو كان لم يزل متكلما لكان لم يزل أمرا وأمر من ليس بموجود محال.

قيل: من قال من أصحابنا لم يزل أمرا فهو يقول: لم يزل أمرا له (٦) يكون على معنى إذا خلقت وبلغت وكمل عقلك فافعل كذا كأوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمن (٧) يأتي بعده


(١) زيادة لا يستقيم المعنى إلا بها.
(٢) سورة نوح (٧١/ ١).
(٣) سورة إبراهيم (١٤/ ٢٢).
(٤) في (ن) والمطبوعة "ولم يقل يعدوا فهو كذب".
(٥) كذا في جميع النسخ ولعله "يكون".
(٦) في جميع النسخ "لم" ولعل الصواب ما أثبته.
(٧) في (ن) "لما".

<<  <  ج: ص:  >  >>