ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[14 - 02 - 08, 01:06 م]ـ
المطلب الثالث: تطبيقات المحدثين
ومن الأمور التي تؤكد ما نبتغي شرحه مراجعة الواقع الحديثي والنظر في تاريخ الرواة المجرحين، هل اعتبر الأئمة فيهم ما يعدده الفقهاء من صور انخرام المروءة أم لا؟ إن من تطلب ذلك في دواوين الجرح والتعديل من غير شك يرجع بخفي حنين، ولن يظفر إلا بأمثلة معدودة تذكر غالبا لترد أو لبيان تعنت من اعتبرها وتحامله، وهذا شرح وبيان للأمثلة التي وقفت عليها:
أولا: كثرة الكلام
ذكر العقيلي في الضعفاء زاذان أبو عمر الكندي، واعتمد في تضعيفه على قول شعبة قال قلت للحكم بن عتيبة ما لك لم تحمل عن زاذان قال كان كثير الكلام (66).
وهذا من تعنت العقيلي إذ لم يلتفت أحد غيره إلى هذا الجرح، وزاذان هذا قد وثقه ابن معين وقال لا يسأل عن مثله، والعجلي وابن سعد والخطيب، وقال ابن عدي أحاديثه لا بأس بها إذا روى عنه ثقة، وقد خرج له مسلم، ورمز الذهبي في الميزان بـ: صح مما يقضي قبول حديثه، وقال ابن حجر في التقريب: صدوق يرسل. وهناك من مال إلى تليينه لكن لغير حجة كثرة الكلام، كابن حبان الذي قال في الثقات: كان يخطئ كثيرا (67).
فإن قيل في هذا النقل دليل أن مذهب العقيلي اعتبار المروءة قيل: لا يصح استفادة ذلك من مثال واحد أو مثالين وردا في مجموعه الكبير ككتاب الضعفاء.
ثانيا: كثرة المزاح
وليس المزاح أيضا أمرا محرما، وقد فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فقد قيل يا رسول الله إنك تداعبنا قال إني لا أقول إلا حقا (68)، واستحمل رجل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال إني حاملك على ولد الناقة فقال يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وهل تلد الإبل إلا النوق (69). وكان في أئمة الحديث والجرح والتعديل من هو مشهور به كالأعمش وأبو نعيم الفضل بن دكين (70)، وعثمان بن أبي شيبة وصالح جزرة وابن سيرين (71) ولم يعد ذلك طعنا فيهم (72).
ومن المحدثين من طعن فيه لأجل مزاح فيه، والصحيح أن ذلك لا يقدح فيه، ومن هؤلاء أحمد بن المقدام البصري، قال ابن حجر في التقريب:" صدوق صاحب حديث طعن أبو داود في مروءته". وقال الذهبي عنه في الميزان:" أحد الأثبات المسندين قال ابن خزيمة كان كيّساً صاحب حديث يروي عن حماد بن زيد والكبار وإنما ترك أبو داود الرواية عنه لمزاح فيه "، وقد ذكر أبو داود أنه كان بالبصرة مجان يلقون صرة الدراهم ويرقبونها فإذا جاء من لحظها فرفعها صاحوا به وخجلوه، فعلم أبو الأشعث المارة بالبصرة أن هيئوا صرر زجاج كصرر الدراهم فإذا مررتم بصررهم فأردتم أخذها وصاحوا بكم فاطرحوا صرر الزجاج التي معكم وخذوا صرر الدراهم التي لهم ففعلوا ذلك، قال أبو داود كان يعلم المجان المجون، قال ابن عدي: ما ذكره أبو داود لا يؤثر فيه لأنه من أهل الصدق (73). ولو قيل إن هذا من النهي عن المنكر لكان لقائله وجها فيزاد ذلك في أسباب عدالته بدلا أن يعد من أسباب جرحه.
ثالثا: البول قائما
قال جرير بن عبد الحميد قال: أتيتُ سماك بن حرب فرأيته يبول قائما فرجعت ولم أسأله عن شيء قلت: قد خرف (74). قال ابن عدي: «ولسماك حديث كثير مستقيم إن شاء الله كلها وقد حدث عنه الأئمة وهو من كبار تابعي الكوفيين وأحاديثه حسان عن من روى عنه وهو صدوق لا بأس به. ومنهم من تكلم فيه لاضطراب حديثه ولأنه صار بآخرة يقبل التلقين، ولم يلتفت أحد إلى قضية البول قائما ومع ذلك فليس هو بضعيف مطلقا لذلك قال الذهبي:" صدوق صالح من أوعية العلم مشهور" (75).
وزيادة على فجرير بن عبد الحميد قد بين أنه إنما تركه لظنه بأن خرف لا لأجل الطعن في عدالته بترك خصال المروءة، ومما هو معلوم أن الراوي لا يضعف إذا فعل المعصية مرة واحدة فكيف بما هو مباح أو مكروه إذا فعله مرة واحدة ولا ندري ما عذره.
رابعا: لعب الشطرنج
¥