تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شعبة لقيت ناجية الذي روى عنه أبو إسحاق فرأيته يلعب بالشطرنج فتركته فلم أكتب عنه ثم كتبت عن رجل عنه، قال الخطيب:" ألا ترى أن شعبة في الابتداء جعل لعبة الشطرنج مما يجرحه فتركه ثم استبان له صدقه في الرواية وسلامته من الكبائر فكتب حديثه نازلا " (76). ولعب الشطرنج مختلف فيه، وهو مكروه في أقل الأحوال وخارم من خوارم المروءة، وقد تركه شعبة أولا ثم روى عنه، وهذا يدل على أنه إنما تركه من باب الورع أو الهجر له كما يهجر المبتدع، ولو كان للتهمة لما كتب حديثه.

وناجية هو ناجية بن كعب، قد قال فيه يحيى بن معين: صالح، وقال أبو حاتم: شيخ، ووثقه العجلي (77).

خامسا: أخذ الأجرة على الحديث

وأخذ الأجرة على التحديث وعلى التعليم عموما ليست أمرا محرما على الصحيح (78)، ويدل على جوازه مطلقا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:" إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" (79)، الترخيص في جعل القرآن مهرا وغير ذلك.

ومع ذلك فقد كان بعض أئمة الحديث ينهون عمن يأخذ أجرا على رواية الحديث، وعن أحمد وإسحاق وأبي حاتم لا يكتب عنه (80)، وكان بعض المحدثين يفعلون ذلك لاحتياجهم، وهؤلاء أئمة في الحديث لا يقدح فيهم بمثل هذا وإن كان عندهم مخالفا للمروءة. وقد حمل أبو يعلى كلام أحمد على طريق الورع لأن أخذ الأجرة على رواية الحديث مما يسوغ فيه الاجتهاد، وما يسوغ فيه الاجتهاد لم يفسق فاعله (81). قال ابن الصلاح:" غير أن هذا من حيث العرف خرم للمروءة والظن يساء بفاعله، إلا أن يقترن ذلك بعذر ينفي ذلك عنه" (81). لكن لم ينقل جرح أحد بهذا السبب، وكل من علمنا أنه جرح به فقد رد جرحه ووثق، ومن أمثلة ذلك:

1 - علي بن عبد العزيز البغوي المكي، قال الذهبي:" ثقة لكنه يطلب على التحديث ويعتذر بأنه محتاج" (83).

قال ابن السني سمعت النسائي وسئل عن علي بن عبد العزيز المكي، فقال: قبح الله علي بن عبد العزيز ثلاثا فقيل له يا أبا عبد الرحمن أتروى عنه فقال لا فقيل له أكان كذابا فقال لا ولكن قوما اجتمعوا ليقرؤوا عليه شيئا وبروه بما سهل وكان فيهم إنسان غريب فقير لم يكن في جملة من بره، فأبى أن يقرأ عليهم وهو حاضر حتى يخرج أو يدفع كما دفعوا، فذكر الغريب أن ليس معه إلا قصعته فأمره بإحضار القصعة فلما أحضرها حدثهم (84).

2/ 3 - عفان بن مسلم والفضل بن دكين، قال أحمد بن حنبل:" شيخان كان الناس يتكلمون فيهما ويذكرونهما، وكنا نلقى من الناس في أمرهما ما الله به عليم، قاما لله بأمر لم يقم به أحد أو كبير أحد مثل ما قاما به عفان وأبو نعيم"، قال حنبل: يعني بالكلام فيهما لأنهما كانا يأخذان الأجرة من التحديث، وبقيامهما عدم الإجابة في المحنة (85).

4 - الحارث بن أبي أسامة، قال الذهبي:" وثقه إبراهيم الحربي مع علمه بأنه يأخذ الدراهم، وأبو حاتم بن حبان وقال الدارقطني صدوق وأما أخذ الدراهم على الرواية فكان فقيرا كثير البنات" (86). وقال في الميزان:" وكان حافظا عارفا بالحديث .. تكلم فيه بلا حجة" (87).

5 - وهشام بن عمار، قال صالح بن محمد: «كان يأخذ على الحديث ولا يحدث ما لم يأخذ» وقال ابن وارة:"عزمت زمانا أن أمسك عن حديث هشام بن عمار لأنه كان يبيع الحديث»، وقال الذهبي: «العجب من هذا الإمام مع جلالته كيف فعل هذا، ولم يكن محتاجا، وله اجتهاده" (88).

6 - يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال النسائي: كان يعقوب لا يحدث بهذا الحديث إلا بدينار أي حديث لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه، ومع ذلك فقد أخرج عنه ووثقه (89).

7 - ونقل ذلك عن الدراقطني، فقال الذهبي:" هذه حكاية صحيحة …وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام وعلى أنه لوح بطلب شيء، وهذا مذهب لبعض العلماء، ولعل الدارقطني كان إذ ذاك محتاجا" (90).

وصح ذلك عن كثير من الرواة ولم يترك واحد منهم لأجله، وهذا يدل على أن النهي عن أخذ الأجرة أدب من الآداب الداخلة في محاسن الأخلاق والمروءة التي لا تقدح مخالفتها في العدالة.

سادسا: الأكل في السوق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير