والفيء ما هرب أهله منه خوفا وتركوه، بخلاف الغنيمة فإنها مأخوذة بالقتال بالسيف، وذكر الرمح أقرب إلى حصول الفيء لأن الرمح يراه العدو من بعد فيهرب فيكون هرب العدو من ظل الرمح، والمأخوذة به هو مال الفيء، ومنه كان رزق النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الغنيمة فإنها تحصل من قتال السيف. والله تعالى أعلم.
وقال عمر بن عبد العزيز: إن الله تعالى بعث محمداً هاديا ولم يبعثه جابيا، فكان صلى الله عليه وسلم شغله بطاعة الله والدعوة إلى التوحيد، وما يحصل في خلال ذلك من الأموال من الفيء والغنائم يحصل تبعاً لا قصداً أصلياً، ولهذا ذم من ترك الجهاد واشتغل عنه باكتساب الأموال. وفي ذلك نزل قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} لما عزم الأنصار على ترك الجهاد والاشتغال بإصلاح أموالهم وأراضيهم.
وفي الحديث الذي خرجه أبو داود وغيره: " إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه الله من رقابكم حتى تراجعوا دينكم " ولهذا كره الصحابة رضي الله عنهم الدخول في أرض الخراج للزراعة فإنها تشغل عن الجهاد.
وقال مكحول: إن المسلمين لما قدموا الشام ذكر لهم زرع الحولة، فزرعوا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث إلى زرعهم وقد ابيض وأردك فحرقه بالنار، ثم كتب إليهم: إن الله جعل أرزاق هذه الأمة في أسنة رماحها، وتحت أزجتها، فإذا زرعوا كانوا كالناس. خرجه أسد بن موسى.
وروى البيضاوي بإسناد له عن عمر أنه كتب: من زرع زرعا واتبع أذناب البقر ورضي بذلك وأقر به جعلت عليه الجزية.
وقيل لبعضهم لو اتخذت مزرعة للعيال؟ فقال: والله ما جئنا زراعين، ولكن جئنا لنقتل أهل الزرع ونأكل زرعهم.
فأكمل حالات المؤمن أن يكون اشتغاله بطاعة الله والجهاد في سبيله، والدعوة إلى طاعته لا يطلب بذلك الدنيا، ويأخذ من مال الفيء قدر الكفاية، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لأهله قوت سنة من مال الفيء ثم يقسم باقيه، وربما رأي محتاجا بعد ذلك فيقسم عليه قوت أهله بلا شيء.
وكذلك من يشتغل بالعلم، لأنه أحد نوعي الجهاد فيكون اشتغاله بالعلم للجهاد في سبيل الله والدعوة إليه، فليأخذ من أموال الفيء أو الوقوف على العلم قدر الكفاية ليتقوى على جهاده، ولا ينبغي أن يأخذ أكثر من كفايته من ذلك ... "
قال في فيض القدير:
" (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) قال الديلمي: يعني الغنائم وكان سهم منها له خاصة يعني أن الرمح سبب تحصيل رزقي قال العامري: يعني أن معظم رزقه كان من ذلك وإلا فقد كان يأكل من جهات أخرى غير الرمح كالهدية والهبة وغيرهما وحكمة ذلك أنه قدوة للخاص والعام فجعل بعض رزقه من جهة الاكتساب وتعاطي الأسباب وبعضه من غيرها قدوة للخواص من المتوكلين وإنما قال تحت ظل رمحي ولم يقل في سنان رمحي ولا في غيره من السلاح لأن رايات العرب كانت في أطراف الرماح ولا يكون في إقامة الرماح بالرايات إلا مع النصر وقد نصر بالرعب فهم من خوف الرمح أتوا تحت ظله ولأنه جعل السنان للجهاد وهو أكبر الطاعات فجعل له الرزق في ظله أي ضمنه وإن كان لم يقصده كذا ذكره ابن أبي جمرة ولا يخفى تكلفه ... "
وقال القرطبي:
" ... فجعل الله رزق نبيه صلى الله عليه وسلم في كسبه لفضله، وخصه بأفضل أنواع الكسب، وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه "
"ومن أعظم ما حصل به الذل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ترك ما كان عليه من جهاد أعداء الله فمن سلك سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم عز، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذل. وقد سبق حديث: " إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه من رقابكم حتى تراجعوا دينكم ". ورأى النبي صلى الله عليه وسلم سكة الحرث فقال: " ما دخلت دار قوم إلا دخلها الذل ". فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة حصل له من الذل فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرمة؟ " الحافظ ابن رجب الحنبلي (الحكم الجديرة بالإذاعة)
إعداد
أبي معاذ زياد محمد الجابري
ـ[صالح الهميمي]ــــــــ[08 - 03 - 08, 01:31 م]ـ
جزاك الله خير
ـ[أبو معاذ الجابري]ــــــــ[31 - 03 - 08, 12:36 م]ـ
للرفع
¥