تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مراسيل التابعين ومذاهب العلماء في حكم الاحتجاج بها]

ـ[أبو عبدالله السعيدي]ــــــــ[09 - 04 - 08, 12:42 م]ـ

تعريف الحديث المرسل:

المرسل لغة: من (أرسلت الشيء) إذا أطلقته.

.

واصطلاحاً: هو الحديث الذي يرفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا يذكر له إسناداً بذلك.

قال شيخنا المحقق أبو محمد عبدالله بن يوسف الجديع -وفقه الله -"هذا هو المحرر في معناه الاصطلاحي بعد استقراره، ويسمى بـ (الإرسال الظاهر) لظهوره، ويقابله (الخفي) وسيأتي.

-وللعلماء مذاهب ثلاثة مشهورة في هذه المسألة لخصها شيخنا الفاضل المحقق أبو محمدعبدالله الجديع-وفقه الله- بعد أن فرق بين طبقاتهم، يقول:

"مراسيل التابعين متفاوتة في القوة بحسب قدم التابعي المرسل وكبره، أو صغره.

وتصور ذلك بتقسيم التابعين إلى طبقات ثلاث بحسب من لقوا وسمعوا منه من الصحابة.

الطبقة الأولى: كبار التابعين، وهم الذين أدركوا كبار الصحابة، كأبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود ومعاذ بن جبل، وجُل أو أكثر رواياتهم إذا سموا شيوخهم عن الصحابة.

وهؤلاء مثل: قيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، ومسروق بن الأجدع.

ويندرج في جملتهم من يطلق عليه اسم (المخضرمين)، وهم التابعون الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، لكنهم لم يثبت لهم شرف الصحبة، مثل: سويد بن غفلة، وعمرو بن ميمون الأودي، وأبي رجاء العطاردي، وغيرهم.

فمراسيل هذه الطبقة تقرب من المتصل.

الطبقة الثانية: أوساط التابعين، وهم الذين أدركوا علي بن أبي طالب، ومن بقي حيا إلى عهده وبعيده من الصحابة، كحذيفة بن اليمان، وأبي موسى الأشعري، وأبي أيوب الأنصاري، وعمران بن حصين، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة أم المؤمنين، وأبي هريرة، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، ووقع سماعهم من بعضهم.

ومثال هؤلاء التابعين: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس اليماني، والقاسم بن محمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعامر الشعبي، ومجاهد بن جبر.

فمراسيل هذه الطبقة صالحة تكتب ويعتبر بها"

ثم لخص المسألة بقوله كمافي ص941 ,ومابعدها من ج2 في التحرير:

" وحاصل هذه المسألة:

أن المرسل يتفاوت في قوته، والشواهد مع تحري المرسل معيار للترجيح بينها، وللاعتبار بما يعتبر به منها"

و ما يتعلق بالاحتجاج بالحديث المرسل فقد لخص مذاهب العلماء في مراسيل التابعين وحصرها في ثلاثة أقول:

قال "وللعلماء في الاحتجاج بذلك وعدمه مذاهب:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المذهب الأول: صحة الاحتجاج به، بشرط أن يكون المرسل ثقة عدلاً، وهؤلاء يكون المرسل عندهم من جملة الحديث الصحيح.

والقول به منقول عن إبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سلمان، وأبي حنيفة وصاحبيه: أبي يوسف ومحمد، وكذلك هو قول مالك وأهل المدينة، وذكر أصحاب أحمد أن الصحيح عنه الاحتجاج بالمرسل ...... "

ــــــــــــــــــــ ـــــ ــــــــــــــــــــ ـــــ ـــ

المذهب الثاني: ليس بحجة، وهو من جملة الحديث الضعيف.

وهو قول الأئمة: الأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد بن حنبل وقول أكثر أهل الحديث.

قلت: "وسمعت شيخنا أبا محمد يقول أن هذا المذهب هو الموافق للأصول ... "

ــــــــــــــــــــ ـــــ ــــــــــــــــــــ ـــــ ــــــــ

المذهب الثالث: التفريق بين المراسيل، بحسب المرسل.

وهذا عزي للشافعي أنه كان يقبل مراسيل كبار التابعين، كما تقدم بيانه في المسألة السابقة، وتبين أن الشافعي لا يرى قبول مرسل التابعي الكبير لذاته، إنما يقبله بقرائن تقويه. فهذا مذهب في التحقيق لم يقل به أحد، فعاد الخلاف إلى المذهبين الأولين.

وظاهر ما تقدمت حكاية عن أهل العلم: الاختلاف بين الفقهاء وأهل الحديث في صحة المرسل.

لكن التحقيق كما حررته عبارة الناقد ابن رجب، حيث قال: " اعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ وأعلام الفقهاء في هذا الباب، فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلاً، وهو ليس بصحيح على طريقهم؛ لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث، فإذا أعضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلاً قوي الظن بصحة ما دل عليه، فاحتج به مع ما احتف به من القرائن، وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة " (شرح علل الترمذي (1/ 297)).

يؤيد هذه الخلاصة المحققة قول أبي عمر بن عبد البر وهو يبين مذهب أصحابه المالكية ومن وافقهم في قولهم بقبول المرسل:

" ثم إني تأملت كتب المناظرين والمختلفين من المتفقهين وأصحاب الأثر من أصحابنا وغيرهم، فلم أر أحداً منهم يقنع من خصمه إذا احتج عليه بمرسل، ولا يقبل منه في ذلك خبراً مقطوعاً (أي منقطعا)، وكلهم عند تحصيل المناظرة يطالب خصمه بالاتصال في الأخبار " (التمهيد/1/ 7).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير