أما ما ذكره الدكتور عداب محمود الحمش من أقوال الحافظ ابن حجر عن رواية أبي قلابة، فإنَّ الموضع الأول منها ليس فيه من ذكر التدليس شيء، أما الموضع الثاني فالذي فهمه الدكتور أنَّ الحافظ قصد بقوله: ((فأمن التدليس والتسوية)) أنَّه يقصد تدليس أبي قلابة وليس هو كذلك؛ لأنَّ ما قصده الحافظ هو أنَّه أمن تدليس الوليد بن مسلم، ومعلوم أنَّ الوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية.
أما خالد الحذاء فلم أقف على أحدٍ وصفه بالتدليس، سوى أنَّ الحافظ ابن حجر ذكره في كتابه " طبقات المدلسين " 1/ 20 (10) وقال: ((أحد الأثبات المشهورين روى عن عراك بن مالك حديثاً سمعه من خالد بن أبي الصلت عنه في استقبال القبلة في البول)).
فكيف يضعف حديثه بداعي التدليس، بقول الحافظ هذا فقط؟!! بل إنَّ الدكتور قال: ((ولو كان في الإسناد واحد من هؤلاء الثلاثة – يعني: سفيان، وخالد، وأبا قلابة – وقد دلس حديثه لما جاز لنا الاحتجاج به!)).
أما سفيان الثوري، فقد قال الدكتور عداب كلاماً عجيباً عنه، إذ قال: ((سفيان الثوريُّ من أشد الناس تدليساً كما يقول الحافظ ابن حبان)). ولا أدري من أين جاء بهذا النقل عن ابن حبان؟ فلم أجد هذا القول في جميع كتب ابن حبان سواء أكانت المختصة بالتراجم أم بالرواية. كما أنَّ الدكتور عداباً لم يشر إلى مصدر معين ذكر فيه هذا الكلام لابن حبان فليتثبت. وبعد بحثي ونظري في مصادر ترجمة سفيان الثوري لم أجد أحداً وصفه بهذا الوصف، إلا أني وجدت الحافظ أبا زرعة العراقي صاحب كتاب " المدلسين ": 52 (21) قال عن سفيان: ((مشهور بالتدليس))، ورجع الحافظ أبو زرعة نفسه، فقال في كتابه " تحفة التحصيل ": 160 (328): ((الإمام المشهور يدلس، ولكن ليس بالكثير)) ثم ذكر له عدة أحاديث يحتج بها على سفيان الثوري في مسألة تدليسه، ولم يذكر حديثنا هذا منها، كما أنَّ جميع الأحاديث التي ذكرها ليس فيها حديثاً واحداً من رواية الثوري، عن خالد الحذاء، والثوريُّ مشهور بالرواية عن خالد حتى إنَّ روايته عنه في الصحيحين، وأنا هنا لا أذكر ذلك كي أحتج بروايته عن خالد لأنَّها في الصحيحين، بل للدلالة على مدى شهرة الرواية، ولا أعتقد أنَّ مثل سفيان الثوري يدلسُ عمن اشتهر بالرواية عنه كخالد الحذاء.
أما قول الدكتور عداب: ((لأنًَّ سفيان الثوري ممن يروي عن علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف 000 الخ)).
قلت: هذا كلام يحتاج إلى دليل، فهل نضعف رواية راوٍ مثل سفيان الثوري بالظن والشبهة؟ كما أنَّ كلامه هذا يقتضي أنْ يكون علي بن زيد قد روى الحديث عن خالد الحذاء، حتى يدلسه سفيان الثوري ويذكر الرواية عن خالد الحذاء مباشرةً، في حين إنَّ رواية علي بن زيد، عن أبي قلابة كما سيأتي ذكرها.
وسفيان الثوري وصف بالتدليس، ولكن البخاريَّ قال فيما نقله عنه ابن حجر في " طبقات المدلسين ": 32 (51): ((ما أقل تدليسه))، وقال العلائي في " جامع التحصيل في أحكام المراسيل ": 186 (249): ((تقدم أنَّه يدلس، ولكنْ ليس بالكثير)) وكذا وصفه أبو زرعة العراقي في " تحفة التحصيل " كما تقدم.
وقال الدكتور عداب: ((ومما يحسن الإشارة إليه هنا تفريعاً على ما قال الحافظ: أنَ البخاريَّ ومسلماً خَرَّجا لخالد الحذاء روايات عديدة، لكنَّهما معاً لم يخرجا له روايةً واحدة من حديث سفيان الثوري، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان ... )) إلى آخر كلامه.
قلت: لا يشترط في تصحيح إسنادٍ من الأسانيد أنْ يكون البخاريُّ ومسلم قد أخرجا هذا الإسناد في صحيحيهما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ كلا من الثوري، وخالد الحذاء، وأبي قلابة الجرمي قد اشتهر كل واحد منهما بالرواية عن الذي يليه، والدكتور عداب قد أعل الحديث بعنعنة هؤلاء الرواة بحجة أنَّهم مدلسون، وقد ناقشت فيما مضى من الصفحات صفة التدليس عند كل واحدٍ منهم، وثبت أن تدليس الثوري قليل ونادر، ولم يثبت التدليس على خالد الحذاء، وأبي قلابة. فبذلك يكون سند الحديث ظاهر الصحة.
وللحديث طرق أخرى سأذكرها تباعاً.
فقد روي الحديث من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن ثوبان، به موقوفاً.
أخرجه: نعيم بن حماد في " الفتن " (853).
¥