من أهل العلم من يرى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين؛ يستدل هؤلاء بحديث: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)) إلى آخر الحديث.
وهناك قول رابع في المسألة: وهو أن الحجة في قول أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- لحديث: ((اقتدوا باللذين من بعدي)).
ويستدل أصحاب القول الثاني بما ذكرنا من أن اجتهاد الصحابي الذي عاصر التنزيل، وعرف المقاصد من قرب، وعايش النبي -عليه الصلاة والسلام- قوله أولى بالإصابة من قول غيره؛ ويستدل بعضهم لهذا القول بحديث: ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) [هذا ضعيف باتفاق الحفاظ، فلا حجة فيه].
عرفنا القول بعدم الاحتجاج بقول الصحابي بعد أن حررنا محل النزاع، عدم الاحتجاج به وهو قول الشافعي في الجديد ورواية عن الإمام أحمد.
القول الثاني: وهو الاحتجاج به فيما خلا من النصوص، في المسائل التي خلت من النصوص ولما ذكرنا، وأيضاً رواية عن الإمام أحمد، وهو القول القديم للإمام الشافعي، ونصره ابن القيم في إعلام الموقعين، وهناك من يقول: الحجة في قول الخلفاء الراشدين؛ للأمر بالأخذ بسنتهم.
ومن أهل العلم من يقصر الحجية في قول أبي بكر وعمر لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اقتدوا باللذين من بعدي)).
المقصود أن المسألة خلافية، والأصل أن الحجة والعمدة في الدين على الكتاب والسنة، لكن إذا افترضنا مسألة ما فيها شيء من النصوص لا من الكتاب ولا السنة، وجدنا فيها قول صحابي، هل نعمل بقول هذا الصحابي؟
من الأصول التي يعتمد عليها الإمام أحمد اعتماد قول الصحابي، ويستدل به ويفتي بمضمونه كثيراً، وهو أيضاً مقتضى عمل الأئمة غير الإمام أحمد فإن كتب الفقه طافحة بأقوال الصحابة يعتمدون عليها ويستدلون بها.
لا شك أن الصحابة خير القرون، وهم أدرى من غيرهم في الجملة، وإن كان من النصوص ما يدل على أنه قد يوجد، قد يوجد -وهذه للتقليل- ممن يأتي بعد الصحابة من هو أوعى من بعض الصحابة، لا نقول من الصحابة كلهم، من بعض الصحابة، و ((رب مبلغ أوعى من سامع)).
لا شك أن من يعمل في مسألة فيها قول صحابي، ويقدمه على اجتهاده أنه لا يلام، المسألة مثل ما كررنا مفترضة في مسألة خالية من النصوص من الكتاب والسنة، من اقتدى بصحابي فهو على خير إن شاء الله تعالى، لكن من رد قول الصحابي وقال: الحجة بالكتاب والسنة لا يلام لا يلام؛ لأن الصحابة غير معصومين.
بعد هذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الأخبار: يقول: وأما الأخبار فالخبر ما يدخله الصدق والكذب: الأخبار: جمع خبر، وعرفه المؤلف بتعريفه عند أهل البلاغة: ما يدخله الصدق والكذب، هذا في الأصل، ما يدخله الصدق والكذب لذاته، وبغض النظر عن قائله، لذاته بغض النظر عن قائله؛ فقد يكون الخبر وهو في الأصل يحتمل الصدق والكذب، لكونه صادراً عن من لا يكذب لا يحتمل إلا الصدق، كأخبار الله -عز وجل- وأخبار نبيه -عليه الصلاة والسلام- لكنها في الجملة خبر؛ لأنها تحتمل بغض النظر عن القائل.
هناك من أخبارهم لا تحتمل الصدق كمسيلمة الكذاب، ومن عرف عنه الكذب، يعني وإن كان الاحتمال قائماً، لكنه إذا رمي بالكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه يُطرح جميع ما يرويه، وكل خبر يأتي من قبله يكون مردوداً، وعلى هذا حُكماً خبره لا يحتمل الصدق، حُكماً وإن كان الاحتمال قائم لماذا؟؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال عن الشيطان: ((صدقك وهو كذوب))، لكن لو جاءك خبر عن شخص رمي بالكذب في الحديث، وأنت ما تدري هل صدق في هذا الحديث أو كذب، ترد الخبر، وتحكم عليه بأن الخبر موضوع؛ لأن فيه فلان وهو كذاب، أو وضاع فتعريفهم هذا بغض النظر عن القائل لذاته.
والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر: لأن الخبر لا يخلو إما أن يكون مروياً من طريق عدد –جماعة- لا يقع التواطؤ منهم على الكذب عن مثلهم، وأسندوه إلى شيء محسوس، لا يحتمل تواطؤهم على الكذب، ولا بد أن يكون عن مثلهم في جميع طبقات الإسناد، أو يروى من طريق من لم يبلغ هذا العدد الذي رفع احتمال التواطؤ على الكذب، وإن شئت فقل: الآحاد ما لم تتوافر فيه شروط المتواتر.
¥