4 - قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن الحسن القاضي، قالا: حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدّثنا العباس بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن الصلت، قال: حدّثنا عمر بن أبي زائدة، قال: سمعت عكرمة ـ وسأله رجل عن قوله تعالى} ويسبح الرعد بحمده {ـ؟ قال: "ملك يزجر السحاب كما يزجر الحادي الإبل" (67).
قلت: هذا إسناد صحيح.
ثالثاً: أبو صالح السمّان:
قال سعيد بن منصور: حدّثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح في قوله عز وجلّ} ويسبح الرعد بحمده {قال: "الرعد ملك من الملائكة يسبح" (68).
قلت: ورواه الطبري في ((تفسيره)) عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم به (69).
وهذا إسناد صحيح، وإسماعيل بن سالم ثقة ثبت، روى عن الشعبي وسعيد بن المسيب وأبي صالح السمان، وروى عنه هشيم وغيره، له أحاديث قليلة، علّق له البخاري أثراً في التفسير عن عكرمة، ووصله سعيد بن منصور، وأثنى عليه الأئمة (70).
رابعاً: مجاهد بن جبر:
1 - قال الشافعيّ: أنبأنا الثقة أنّ مجاهداً كان يقول: "الرعد ملك، والبرق أجنحة الملك يسقن السحاب.
قال الشافعيّ: "ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن" (71).
قلت: فيه مبهم غير معروف، وهو الثقة الذي عند الشافعي، وقد يكون غير ثقة عند غيره، وقالوا: بأن الشافعي يقصد بهذا القول ((إبراهيم بن أبي يحيى))، فإن كان كذلك فهو ضعيف وساقط باتفاق عند جميع العلماء.
2 - قال الطبريّ: حدّثنا محمد بن المثنى، قال: حدّثنا محمد بن جعفر، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم عن مجاهد، قال: "الرعد ملك يزجر السحاب بصوته."
ورواه الطبري أيضاً من طريق ابن أبي عدي عن شعبة به. ومن طريق يحيى بن طلحة اليربوعي عن فضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد به (72).
ورواه من طريق الحسين بن داود عن حجاج عن ابن جريج عن مجاهد بمثله (73).
قلت: هذا القول عن مجاهد محفوظ والإسناد إليه صحيح.
خامساً: شهر بن حوشب:
1 - قال الطبري: حدّثني نصر بن عبد الرحمن الأزديّ، قال: حدثنا محمد بن يعلى، عن أبي الخطاب البصري، عن شهر بن حوشب، قال: "الرعد ملك موكَّل بالسحاب يسوقه كما يسوق الحادي الإبل، يسبّح. كلّما خالفت سحابةٌ سحابةً صاح بها، فإذا اشتد غضبه طارت النار مِنْ فِيه، فهي الصواعق التي رأيتم" (74).
2 - روى أبو الشيخ من طريق يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن حرب بن شداد، قال: سمعت شهر بن حوشب، يقول: "الرعد ملك وكّل بالسحاب يسوقه كما يسوق الحادي الإبل، فإذا خالفت سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه تناثر مِنْ فِيه النيران، وهي الصواعق التي رأيتم" (75).
قلت: حرب بن شداد هو أبو الخطاب (76) ثقة ثبت خرَّج له البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا إسناد صحيح، وهذا مما أخذه شهر عن كعب الأحبار كما بيّنته سابقاً.
سادساً: السّدي الكبير:
روى أبو الشيخ من طريق عامر عن أسباط بن نصر عن السدي، قال: "الرعد هو ملك يقال له الرعد يسيره بأمره بما يريد أن يمطر" (77).
قلت: هذا إسناد فيه كلام، فأسباط قال فيه النسائي: "ليس بالقوي" (78) والسدي وثقه بعضهم وضعفه آخرون، قال أبو حاتم: "لا يحتج به." وقال ابن معين: "في حديثه ضعف." وقال ابن عدي: "هو عندي صدوق" (79).
وبعد هذه الجولة من إيراد أقوال الصحابة والتابعين، فإنه لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم شيء في ذلك، وقد ثبت عن بعض التابعين، وهو مما أخذوه عن كعب الأحبار من الإسرائيليات المنكرة، وكان الأولى بالمفسرين أن يعرضوا عن إيراد هذه الأقوال إلا لبيان نكارتها! وأما أن يتمحلوا في توجيهها كما فعل الطبري وغيره، فإن ذلك لا ينبغي منهم، غفر الله لهم.
وكذلك ممن اشتغل بالتفسير من المعاصرين، فإنّ اللون المنتشر في هذه الأيام هو محاولة حصر ما صحّ من التفسير بالمأثور، والذي أراه أن هذا يفسد رونق وجمال وطعم التفسير، لأن التفسير ليس محصوراً في ما نُقل إلينا عن الصحابة والتابعين ـ وقلّ ما صحّ منه، ولهذا قال الإمام أحمد قولته المشهورة في ذلك: ثلاثة كتب لا أصل لها ـ، ثمّ إن مسألة التصحيح والتضعيف مسألة اجتهادية تختلف فيها الأنظار!
¥