وقد تصدى لهذه المهمة بعض الأساتذة فعملوا مصنفات في ذلك، لا يوجد فيها معاني بلاغية ولا لغوية، وتجد التفسير فيها غير مترابط لأنهم يوردوا في تفسير بعض الآيات من المرفوع ما لا دخل له فيها، فيذهب بجمال ورونق التفسير وترابط الآيات وغير ذلك مما هو معروف عند أهله!
ومن هذه المصنفات: كتاب ((التفسير الصحيح، موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور)) للأستاذ الدكتور حكمت بن بشير ياسين، فإنه قد أخرج في تفسير قول الله عز وجل} فيه ظلمات ورعد وبرق {ما رواه الترمذي وغيره مرفوعاً أن الرعد ملك، ثم قال: "ولهذا الحديث شاهد من القرآن في قوله تعالى} ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته {[الرعد:13] وفيه تسبيح هذا الملك بحمد الله تعالى والملائكة معطوف على الرعد، فهو عطف عام على خاص، كما تقدم في سورة البقرة آية 98} من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال {" (80).
قلت: أما تسمية كتابه بالصحيح فغير صحيح، وهذا الحديث منكر لم يصح مرفوعاً كما بينته سابقاً، فكيف يكون كتابه صحيحاً؟! وما ذكره من أن آية الرعد شاهد فليس بصحيح، فإن الرعد في الآيتين واحد، فكيف يكون معنى الآية: فيه ظلمات وملك وبرق، والآية الأخرى: ويسبح الملك بحمده والملائكة من خيفته! ولماذا يُخفي الله عز وجل علينا أن الرعد ملك، فلم لم يسميه لنا صراحة؟! حتى تأتينا رواية إسرائيلية فتبيّن لنا ذلك، ونحن المسلمين مخاطبون بهذه الآيات الواضحة الصريحة، وإن الأمم على مر العصور إذا سألت واحد منهم ما الرعد؟ فإنه سيقول لك: هو الصوت الذي نسمعه في الشتاء. وهل الملك إن كان هو الرعد لا يسبح إلا في فصل الشتاء؟
أما ما قاله الدكتور من أن في الآية عطف للعام على الخاص، فليس بصحيح لأن الاهتمام بالشيء يكون بعطف الخاص على العام وهذا هو الأصل في كتاب الله عز وجل، والآية التي استدل بها فيها عطف الخاص على العام لا العكس كما قرر هو، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
والخلاصة أن حديث: ((الرعد ملك)) هو من قول كعب الأحبار، وهو قولٌ منكرٌ!!
ـــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) جامع الترمذي، كتاب التفسير، تفسير سورة الرعد، (5/ 294).
(2) سنن النسائي الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب كيف تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل، (5/ 336). وانظر تحفة الأشراف: (4/ 394).
(2) المعجم الكبير: (12/ 45).
(4) المختارة: (10/ 66).
(5) مسند أحمد: (1/ 274). وأورده ابن كثير عن أحمد في تفسير قوله تعالى} من كان عدواً لجبريل .. {(1/ 124).
(6) المختارة: (10/ 70).
(7) تفسير ابن أبي حاتم: (1/ 55).
(8) مسند أحمد: (1/ 278).
(9) انظر تفسير ابن كثير: (1/ 124).
(10) مجمع الزوائد: (8/ 242).
(11) تهذيب الكمال: (4/ 239) هامش (2).
(12) السلسة الصحيحة: (4/ 492). قلت: وكلام الشيخ الألباني يوهم أن هذا النقل هو من المزي في التحفة، وليس كذلك، فإن المزي نقل عن الترمذي قوله: "حسن غريب".
(13) المعجم الكبير: (12/ 45) هامش حديث رقم (12429).
(14) شرح الزرقاني: (4/ 531).
(15) كتاب التوحيد، باب ذكر آية تدل على وحدانية الله ... ، ص34 - 35.
(16) مسند أحمد: (4/ 161) هامش حديث (2483). وذكر الشيخ أحمد شاكر أن عبد الله بن الوليد كان يجالس الحسن بن ثابت الأحول، وهذا مردود برواية النسائي أنه كان يجالس الحسن بن حي! والحسن بن ثابت الأحول كوفي، وثقه جماعة وضعفه آخرون، وكان رجلاً صالحاً [إكمال تهذيب الكمال: 4/ 69]. والحسن بن صالح بن حيّ كوفي أيضاً ثقة، كان أبو نعيم يفضله على غيره [تهذيب الكمال: 6/ 190]. ومنشأ الوهم عند الشيخ أحمد شاكر أنهم ذكروا في الرواة عن عبد الله بن الوليد الحسن بن ثابت الأحول، فظن أنه هو المقصود في كلام أبي نعيم، وهذا خطأ؛ لأنه لا يُقال للشيخ وكان يجالس فلان إذا روى عنه، فما بالك إذا كان الأحول ليس شيخاً لعبد الله وإنما عبد الله شيخه. وقد روى النسائي للحسن بن ثابت حديثاً واحداً في ((عمل اليوم والليلة)) رواه الحسن عن عبد الله بن الوليد، قال الدارقطني: "وهو غريب من حديث عبد الله بن الوليد بن عبد الله بن معقل بن مقرن المزني، تفرد به الحسن بن ثابت." [تهذيب الكمال: 6/ 65 - 67].
(17) السلسلة الصحيحة: (4/ 492).
(18) المختارة: (10/ 67)، هامش (60).
¥