تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن جرير (1/ 150) بعد ذكره لروايات أن الرعد ملك: " وقال آخرون إن الرعد ريح تختنق تحت السحاب فتصاعد فيكون منه ذلك الصوت ... (وذكر رواية عن ابن عباس ومجاهد) ثم قال: " فإن كان الرعد ما ذكره ابن عباس ومجاهد فمعنى الآية أو كصيب من السماء فيه ظلمات وصوت رعد لأن الرعد إن كان ملكا يسوق السحاب فغير كائن في الصيب لأن الصيب إنما هو ما تحدر من صوب السحاب والرعد إنما هو في جو السماء يسوق السحاب على أنه لو كان فيه يمر لم يكن له صوت مسموع فلم يكن هنالك رعب يرعب به أحد لأنه قد قيل إن مع كل قطرة من قطر المطر ملكا فلا يعدو الملك الذي اسمه الرعد لو كان مع الصيب إذا لم يكن مسموعا صوته أن يكون كبعض تلك الملائكة التي تنزل مع القطر إلى الأرض في أن لا رعب على أحد بكونه فيه فقد علم إذ كان الأمر على ما وصفنا من قول ابن عباس إن معنى الآية أو كمثل غيث تحدر من السماء فيه ظلمات وصوت رعد إن كان الرعد هو ما قاله ابن عباس وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد باسمه على المراد في الكلام من ذكر صوته ".

وقال البغوي (3/ 11) في قوله تعالى (ويسبح الرعد بحمده): " أكثر المفسرين على أن الرعد اسم ملك يسوق السحاب والصوت المسموع منه تسبيحه ".

وفي تفسير الجلالين (1/ 323):"ويسبح الرعد هو ملك موكل بالسحاب يسوقه متلبسا بحمده أي يقول سبحان الله وبحمده".

وقال الألوسي في روح المعاني (13/ 119):" والذي اختاره أكثر المحدثين كون الإسناد حقيقيا بناء على أن الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب ... واستشكل بأنه لو كان علما للملك لما ساغ تنكيره وقد نكر في البقرة، وأجيب بأن له إطلاقين ثانيهما اطلاقه على نفس الصوت والتنكير على هذا الإطلاق وقال ابن عطية وقيل إن الرعد ريح تخفق بين السحاب وروى ذلك عن ابن عباس. وتعقبه أبو حيان بقوله "وهذا عندي لا يصح فان ذلك من نزعات الطبيعيين وغيرهم. وقال الامام إن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية وللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره وكذا القول في الرياح وسائر الآثار العلوية وهو عين ما قلنا من أن الرعد اسم لملك من الملائكة يسبح الله تعالى فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء فكيف يليق بالعاقل الانكار" اهـ

فتبن من أن الرعد ملك هو قول أكثر المفسرين والمحدثين.

وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ جوابا شافيا فقال في مجموع الفتاوى (24: 263): " وأما الرعد والبرق ففي الحديث المرفوع فى الترمذى وغيره أنه سئل عن الرعد قال (ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله) وفى مكارم الأخلاق للخرائطى عن علي أنه سئل عن الرعد فقال ملك وسئل عن البرق فقال مخاريق بأيدى الملائكة وفى رواية عنه مخاريق من حديد بيده وروى فى ذلك آثار كذلك. وقد روى عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك كقول من يقول أنه اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه، فإن هذا لا يناقض ذلك، فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعدا وكذلك الراعد يسمى رعدا كما يسمى العادل عدلا، والحركة توجب الصوت، والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان، وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة، وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه الذي هو شفتاه ولسانه وأسنانه ولهاته وحلقه، وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر، فالرعد يزجر السحاب وكذلك البرق، قد قيل لمعان الماء أو لمعان النار، وكونه لمعان النار أو الماء لا ينافى أن يكون اللامع مخراقا بيد الملك، فإن النار التي تلمع بيد الملك كالمخراق مثل مزجي المطر، والملك يزجي السحاب كما يزجي السائق للمطي، والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده، كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات والحوادث، وحكمة كونها آية يخوف الله بها عباده هى من حكمة ذلك، وأما أسبابه فمن أسبابه انضغاط البخار فى جوف الأرض كما ينضغط الريح ظاهرا فى المكان الضيق فإذا انضغط طلب مخرجا فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض ".اهـ

ولعل مما يؤيد ما عليه عامة المفسرين والمحدثين ما أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا رجل في فلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقة يحول الماء بمسحاته فقال له يا عبد الله ما اسمك قال فلان للاسم الذي سمع في السحابة فقال له يا عبد الله لم سألتني عن اسمي قال سمعت في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثه وأرد ثلثه).

فقوله في الحديث: " سمعت في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك " ما يدل على ما عليه عامة المفسرين والمحدثين من أن الرعد ملك يزجر السحاب، والله اعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

منقول.

###

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير