قال الخطيب: ولعله يطول عمره فتنزل به نازلة في دينه يحتاج أن يسأل عنها فقيه وقته، وعسى أن يكون الفقيه حديث السنّ، فيستحي أو يأنف من مسألته، ويضيع أمر الله في تركه تعرف حكم نازلته.
وعن عمر –رضي الله عنه- قال: ((قد علمت متى صلاح الناس ومتى فسادهم: إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا)).
قال الخطيب: فإن أدركه التوفيق من الله عزّ وجلّ وسأل الفقيه لم يأمن أن يكون بحضرته من يدري به ويلومه على عجزه في مقتبل عمره إذا فرّط في التعليم، فينقلب حينئذ واجماً، وعلى ما سلف من تفريطه نادماً.
قال محمد بن عبيد: جاء رجلٌ وافر اللحية إلى الأعمش، فسأله عن مسالة من مسائل الصبيان، يحفظها الصبيان! فالتفت إلينا الأعمش، فقال: "انظروا إلى لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث، ومسألته مسألة الصبيان! ".
قال الخطيب: ولْيعلم أن الإكثار من كَتْب الحديث وروايته لا يصير بها الرجل فقيهاً، إنما يُتفقه باستنباط معانيه، وإنعام التفكر فيه.
قال مالك بن أنس لابنيْ أخته أبي بكر وإسماعيل ابني أبي أويس: "أراكما تحبّان هذا الشأن وتطلبانه". قالا: نعم. قال: "إن أحببتما أن تنتفعا به، وينفع الله بكما، فأقلا منه، وتفقها".
وقال الأعمش: "لما سمعت الحديث، قلت: لو جلست إلى سارية أفتي الناس. فجلست إلى سارية، فكان أول ما سألوني عنه لم أدر ما هو! "
قال الخطيب: وإنما أسرعت ألسنة المخالفين إلى الطعن على المحدّثين لجهلهم أصول الفقه وأدلته في ضمن السنن، مع عدم معرفتهم بمواضعها، فإذا عُرف صاحب الحديث بالتفقه خرست عنه الألسن، وعظم محله في الصدور والأعين، وخشي من كان عليه يطعن.
قال وكيع: لقيني أبو حنيفة، فقال لي: لو تركت كتابة الحديث وتفقهت أليس كان خيراً؟ قلت: أفليس الحديث يجمع الفقه كلّه؟ قال: ما تقول في امرأة ادعت الحمل، وأنكر الزوج؟ فقلت له: حدثني عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ((أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لاعن بالحمل))، فتركني، فكان بعد ذلك إذا رآني في طريق أخذ في طريق آخر".
وقال عليّ بن خشرم: سمعت وكيعاً غير مرة يقول: "يا فتيان، تفهموا فقه الحديث، فإنكم إن تفهمتم فقه الحديث لم يقهركم أهل الرأي".
وقال علي بن خشرم المروزي: سمعت وكيعاً يقول لأصحاب الحديث: "لو أنكم تفقهتم الحديث وتعلمتموه، ما غلبكم أصحاب الرأي. ما قال أبو حنيفة في شيء يحتاج إليه إلا ونحن نروي فيه باباً".
قال الخطيب: ولا بدّ للمتفقه من أستاذ يدرس عليه، ويرجع في تفسير ما أشكل إليه، ويتعرف منه طرق الإجتهاد، وما يفرق به بين الصحة والفساد.
قال أبو نُعيم: كنت أمر على زُفر وهو محتب بثوب، فيقول: يا أحول، تعال حتى أغربل لك أحاديثك. فأريه ما قد سمعت. فيقول: "هذا يؤخذ به، وهذا لا يؤخذ به، وهذا هاهنا ناسخ، وهذا منسوخٌ".
وقال عبيدالله بن عمرو: جاء رجلٌ إلى الأعمش، فسأله عن مسألة، وأبو حنيفة جالس، فقال الأعمش: يا نعمان، قل فيها. فأجابه. فقال الأعمش: من أين قلت هذا؟ فقال: من حديثك الذي حدثتناه. قال: "نعم، نحن صيادلة، وأنتم أطباء".
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
الرابط ( http://www.addyaiya.com//TitleView.aspx?refId=117)
ـ[ابو كريم]ــــــــ[23 - 04 - 08, 04:03 ص]ـ
بارك الله فيكم
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[23 - 04 - 08, 05:24 ص]ـ
وفيك بارك اخي الكريم
ـ[عطاالله أحمد]ــــــــ[23 - 04 - 08, 01:23 م]ـ
السلام عليكم
بارك الله فيكم
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[23 - 04 - 08, 07:10 م]ـ
وعليك السلام وبارك فيك ياغالي
ـ[أبو أنس الحريري]ــــــــ[28 - 04 - 08, 11:43 م]ـ
جزاك الله خيرا