الثانية: إن مجال البحث هو مجالُ تأصيلٍ نظريٍّ لقواعِدِ الحنفيةِ وقواعد المحدِّثين في إثبات الخبر، مع ذِكْرِ بعضِ التطبيقاتِ الحديثيَّةِ التي تنتجُ عن هذا التأصيلِ النظريّ.
الثالثة: يقتصر البحث على بيانِ القواعدِ التي سارَ عليها منهجُ الحنفيةِ ومنهجُ المحدِّثين في إثباتِ الخبرِ، دونَ التعرُّضِ إلى الترجيحِ بينهما، لأن هدفَ البحث هو بيانُ اختلافِ ملحظِ الفقهاءِ عن ملحظِ المحدثين.
الجديد الذي يقدمه البحث:
يرى الباحثُ أن هذه الدراسةَ تُقَدِّمُ بعضَ الجوانبِ التي يراها جديدةً على صعيدِ الدراسات العلمية، وهي:
أولاً: دراسةُ جوانِبِ الاتفاقِ والاختلافِ بين قواعِدِ المحدِّثين وقواعدِ الحنفيةِ في إثبات الخبر.
ثانياً: يقدِّمُ البحثُ دراسةً تاريخيَّةً جديدةً لنشأة كلٍّ من مدرسةِ أهلِ الحديثِ ومدرسةِ أهلِ الرأي، ومتابعةُ تطورِ كُلٍّ منهما حتى اكتملَ بنيانُهما، واقترب منهاجُهما.
ثالثاً: تحريرُ كثيرٍ من المسائِلِ المختلَف فيها بين الحنفيةِ والمحدثين، وإرجاعُ الاختلافِ فيها إلى اختلافِ نظرِ كُلٍّ منهما إلى السُّنة؛ أي: بسببِ اختلافِ نظرةِ المحدِّثِ عن نظرةِ الفقيه.
رابعاً: تحريرُ قواعِدِ الحنفيةِ التي اعتمدُوها في نقْدِ الأخبارِ تحريراً جديداً يعتمِدُ على دراسةِ كُلِّ قاعدةٍ من قواعِدِهم من خلالِ تأصيلِها النظريِّ و وواقعها التطبيقي في كتب الحنفية أنفسهم.
خامساً: تقديمِ طائفةٍ من قواعِدِ نقْدِ الحديثِ بترتيبٍ جديدٍ، وتنظيمٍ غيرِ مسبوقٍ؛ كإرجاعِ طُرُقِ التَّحمُّلِ إلى ثلاثة طُرُق رئيسة بدلاً من ثمانيةٍ مع بيانِ وجهةِ النظر التي انطلقتُ منها في هذا التقسيم؛ وكتقسيم العِلَّةِ التي أعلَّ بها المحدِّثون والحنفيةُ إلى قسمين: أولهما: ما يعود في أصله إلى الخطإ والوَهَم، وثانيهما: ما لا يعودُ في أصلِه إلى الخطإ والوَهَم؛ وكتقسيمِ إعلالِ الحديثِ بسبب المخالفةِ إلى: إعلالٍ بسببِ المخالفةِ مع اتحادِ المخرج، وإعلالٍ بسبب المخالفةِ مع اختلافِ المخرج.
سادساً: دراسةُ مفهومِ العِلَّة عند الحنفيةِ، والأحوالِ التي أعلُّوا الحديثَ بها دراسةً جديدةً، وتقديمُ نموذجٍ عن إعلالِ الحنفيةِ لسندِ الحديث؛ حيث إنَّ الشائِعَ المشهورَ في كتُبِ أصولِ الحنفيةِ وكتُبِ غيرِهم هو الحديثُ عن إعلالِ الحنفية لمتنِ الحديثِ فقط.
صعوبات البحث:
من الصعوباتِ التي اعترضتْ طريقَ البحث:
أولاً: إنَّ تقسيمَ الحنفيةِ لقواعِدِ النقدِ يختلفُ عن تقسيمِ المحدثين، كما أنَّ مصطلحاتِ الحنفيةِ تختلفُ عن مصطلحاتِ المحدثين؛ فهناك الكثيرُ من المفاهيمِ المتفقةِ في المضمونِ المختلفة في الاصطلاحِ، كما أنَّ هناك الكثيرُ من المفاهيمِ المتفقةِ في الاصطلاحِ المختلفةِ في المضمون، وهذا يأخذ من الباحثِ وقتاً وجهداً لفهمِ كُلِّ مصطَلَحٍ في بابه، ثم تنزيلِه على واقعِه الصحيحِ وحقيقتِه الفعليَّةِ.
ثانياً: ندرةُ الكتُبِ التي تتحدَّث عن منهجِ الحنفيةِ في مصطلَحِ الحديث دفعتْ الباحثَ، في دراسةِ كُلِّ مفهومٍ، إلى استقراءِ كتبِ الحنفيةِ من حديثٍ وأصولٍ وفقهٍ وتفسيرٍ وطبقاتٍ، مما أخذَ وقتاً غيرَ قليلٍ: في جمع أنواعِ الاستعمالاتِ التي استُخدِمت لكُلِّ مفهومٍ، ثم في مقارنتِها بما أشارت إليه كتبُ أصولِ الحنفية أو غيرِهم، ثم محاولةُ صياغتِها، في النهاية، ضِمْنَ قالَبٍ من القواعِدِ والضَّوابط.
ثالثاً: إن مجالَ الموازنةِ التي يقومُ بها البحثُ هو موازنةٌ بين فقيهٍ ومُحدِّثٍ، ومن المعلومِ أنَّ ملْحَظَ كُلٍّ منهما يختلفُ عن ملحَظِ الآخَرِ، ولذلك كانَ لا بُدَّ من التأني وبذلِ الجهدِ في كثيرٍ من المسائِلِ التي فيها انفكاكٌ في الجهةِ التي يتكلمُ فيها كٌلُّ فريقٍ، أو فيها اختلافٌ في الغايةِ التي يهدفُ إليها كُلٌّ منهما.
منهج البحث:
اقتضت طبيعةُ البحثِ أن يعتمدَ على منهجين، وأداتين منهجيتين:
أما المنهجان فهما:
أولاً: المنهج الاستقرائيُّ: ويقوم على تتبُّعِ الجزئياتِ للوصولِ إلى الكُلِّياتِ والقواعِدِ العامة، وقد اعتمدتُ هذا المنهجَ لاستقراءِ الأقوالِ التي قيلتْ في كُلِّ مسألةٍ من مسائِلِ المنهجِ من خِلال تسلسُلِها الزمنيِّ، وتدرُّجِها التاريخيِّ، للوصولِ في النهايةِ إلى الكُلياتِ التي تعبِّرُ عن المنهج.
¥