به أقسامكم وحرز طهر الله به أجسامكم وعن أظهر الله فيه إسلامكم فإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم فأحسنوا رحمكم الله الثقة بمن لم يزل بكم برا لطيفا وقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا واغتنموا بمقارعة العدو وقرب الفرج فإن الله اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج، وقال في أخرى وخرست الألسن الفصيحة عن الكلام وقضى بدار البوار لمن حرم دار السلام وعرف المجرمون بسيماهم فأخذوا بالنواصي والأقدام، وكلامه في نحو ذلك كثير في خطبه وكذلك غيره من الفصحاء والعلماء وأئمة اللسان، والاستدلال على ذلك بهذه الخطب ظاهر جلي لأنها اشتهرت على رؤوس المنابر وذكرت في جمع المسلمين وجموعهم وتكررت على أسماع كثير من العلماء والأئمة الأكابر فالاحتجاج بها على مثل ذلك جلي ظاهر. وقال القاضي الإمام ناصر الدين بن المنير في خطبه المشهورة مع اشتهاره بالعلوم الدينية والأدبية وتقدمه وتبحره في ذلك وسيادته فقال في خطبة: كيف بك إذا جئت وأنت لجميع ما خلفت فاقد وجاءت كل نفس معها سائق وشاهد، وقال في أخرى الحمد لله الذي يدافع عن الذين آمنوا ويكافئ بالحسنى والزيادة الذين أحسنوا، وقال في أخرى بل هو الفرد الصمد الواحد الأحد يسمع النجوى ويعلم السر وأخفى وهو تعالى أينما كنا معنا، وقال في أخرى فا لله الله عباد الله شمروا الذيل فإن السيل قد بلغ الزبى فحلوا الحبا وسلوا الظبا وأعدوا لعدوكم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبونهم به رهبا، قال والاستدلال بهذه الخطب على نحو ما تقدم في تلك وتزيد هذه بوفور علم من نسبت إليه وتقدمه في العلوم الشرعية عليه. وإنما ذكرت هذه من هذين لشهرتهما وكثرة دور خطبهما بين الناس وكثرتهما وإلا فكلام العلماء والفصحاء في هذا المنهاج متسع وكثير وسلوك أرباب العلوم والآداب في ذلك معلوم وشهير، وقال الحريري في المقامة الثانية الحلوانية فلم يك إلا كلمح البصر أو هو أقرب حتى أنشد فأغرب، وقال في الخامسة الكوفية: فهل سمعتم يا أولي الألباب بأعجب من هذا العجاب فقلنا إلا ومن عنده علم الكتاب، وقال في السادسة لقد جئتم شيئا إدا وجرتم عن القصد جدا، وقال فيها أيضا فإن كنت صدعت عن وصفك باليقين فأت بآية إن كنت من الصادقين، وقال في الإسكندرية واصبر على كيد الزمان وكده فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، وقال في الرجبية كلا ساء ما تتوهمون ثم كلا سوف تعلمون، وقال في الميافارقية:
ولا سما يفتح مستصعب * مستغلق الباب منيعا مهيب
إلا ونودي حين يسمو له * نصر من الله وفتح قريب
وقال في البغدادية فعاهدني أن لا أفوه بما أعتمد مادمت حلا بهذا البلد، وقال في الملطية فقال افعل لئلا يرتاب المبطلون ويظنوا بي الظنون. ومثل ذلك ونظائره كثير جدا والقصد التنبيه على ما ذكر ليعلم الناظر أنه أمر ظاهر مشهور معلوم والاستشهاد بما في المقامات لكثرة دورها بين الناس واشتهارها واطلاع علماء الإسلام على ما فيها وقراءتها وإقرائها وحفظها وشرحها والاعتناء بها يوضح صحة الاستشهاد بما فيها على ما ذكر وهاأنا أذكر جملة دالة على صحة ذلك مؤكدة لما نحن بسبيله مما ذكره الأئمة وعلماء البلاغة وفرسان اللسان والذين يرجع إليهم في مثل هذا الشأن ليعلم أن ذلك عندهم معلوم السبيل علما جزما وأنه مشهور بينهم نثرا ونظما: وأنشد القاضي أبو بكر الباقلاني في ذلك جملة في كتاب الإعجاز له وأنشد الإمام أبو بكر الطرطوشي في كتاب الفوائد له قال أنشدني بعض البغداديين:
رحل الظاعنون عنك وأبقوا * في حواشي الحشا وجدا مقيما
قد وجدنا السلام بردا سلاما * إذ وجدنا النوى عذابا أليما
وأما علماء البيان في كتبهم فقد أكثروا من ذلك أنشدوا للحماسيين:
إذا رمت عنها سلوة قال شافع * من الحب ميعاد السلو المقابر
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا * سريرة ود يوم تبلى السرائر
وقول الآخر:
لا تعاشر معشر أضلوا الهدى * فسواء أقبلوا أو أدبروا
بدت البغضاء من أفواههم * والذي يخفون منها أكبر
وقول الآخر:
إن كنت أزمعت على هجرنا * من غير ما جرم فصبر جميل
وإن تبدلت بنا غيرنا * فحسبنا الله ونعم الوكيل
وقول الآخر:
خلة الغانيات خلة سوء * فاتقوا الله يا أولي الألباب
وإذا ما سألتموهن شيئا * فاسألوهن من وراء حجاب
¥