تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و صلى الله على سيدنا محمد و على اله و سلم

ـ[كاتب]ــــــــ[15 - 08 - 06, 11:29 ص]ـ

المتكلمة بالقرآن:

حكى عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى قال: خرجتُ حاجَّاً إلى بيت الله الحرام وزيارة نبيه عليه الصلاة والسلام، فبينما أنا في الطريق إذا أنا بسواد على الطريق، فتميزت ذاك فإذا هي عجوز، عليها درع من صوف، وخمار من صوف، فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقالت: (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس: 58]، قال: فقلت لها: رحمك الله ما تصنعين في هذا المكان؟، قالت: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ) [الأعراف: 186]، فعلمت أنها ضالة عن الطريق، فقلت لها: أين تريدين؟، قالت: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء: 1]، فعلمت أنها قد قضت حجها وهي تريد بيت المقدس، فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع؟ قالت: (ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا) [مريم: 10]، فقلت: ما أرى معك طعاما تأكلين!، قالت: (هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) [الشعراء: 79]، فقلت: فبأي شيء تتوضئين؟، قالت: فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا. (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) [النساء: 43]، فقلت لها: إنّ معي طعام فهل لك في الأكل؟، قالت: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: 187]، فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر، قالت: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 184]، لم لا تكلميني مثل ما أكلمك؟، قالت: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، فقلت: فمن أي الناس أنت؟، قالت: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36]، فقلت: قد أخطأت فاجعليني في حل، قالت: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف: 92]، فقلت: فهل لك أن أحملك على ناقتي فتدركي القافلة؟، قالت: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) [البقرة: 197]، قال: فأنخت الناقة، قالت: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور: 30]، فغضضت بصري عنها، وقلت لها: اركبي، فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة، فمزقت ثيابها فقالت: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى: 30]، فقلت لها: اصبري، قالت: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) [الزخرف: 13 - 14]، قال فأخذت بزمام الناقة، وجعلت أسعى وأصيح، فقالت: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) [لقمان: 19]، فجعلت أمشي رويدا رويدا، وأترنم بالشعر، فقالت: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ) [المزمل: 20]، فقلت لها: لقد أوتيتِ خيرا كثيرا، قالت: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [البقرة: 269]، فلما مشيت بها قليلا قلت: ألك زوج؟، قالت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) [المائدة: 101]، فسكتُّ ولم أكلمها حتى أدركت بها القافلة، فقلت لها: هذه القافلة فمَن لك فيها؟، فقالت: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46]، فعلمت أن لها أولاداً، فقلت: وما شأنهم في الحج؟، قالت: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [النحل: 16]، فعلمت أنهم أدلَّاء الركب؛ فقصدتُ القباب والعمارات، فقلت: هذه القباب فمن لك فيها؟، قالت: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) [النساء: 125]، (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) [النساء: 164]، (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) [مريم: 12]، فناديت: يا إبراهيم! يا موسى! يا يحيى!، فإذا أنا بشبان كأنهم الأقمار قد أقبلوا، فلما استقر بهم الجلوس قالت: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) [الكهف: 19]، فمضى أحدهم فاشترى طعاما فقدموه بين يديَّ، فقالت: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة: 24]، فقلت: الآن طعامكم عليَّ حرام حتى تخبروني بأمرها، فقالوا: هذه أمنا لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن؛ مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن، فسبحان القادر على ما يشاء. فقلت: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: 21] ..

في " صفة الصفوة " لابن الجوزي رحمه الله ذَكَرَ حكاية مماثلة لهذه العابدة، ثم قال رحمه الله: هذه امرأة صالحة المقصد إلا أنها لقلة علمها لم تدر أن هذا الفعل منهي عنه؛ لأنها استعملت القرآن فيما لم يُوضَع له. قال ابن عقيل: لا يجوز أن يُجعل القرآن بدلاً من الكلام؛ لأنه استعمال له في غير ما وضع له، كما لو أراد استعمال المصحف في الوزن به أو توسُّده. قال: ويُكره الصمت إلى الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صمت يوم إلى الليل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير