تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فنقول الصحابة رضوان الله عليهم معتصمون بالله. فهم مهتدون. فاتباعهم واجب.

أما المقدمة الأولى فتقريرها في قوله تعالى:- {واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} [الحج 78] – ونحوها من الآيات - ومعلوم كمال تولى الله تعالى ونصره إياهم أتم نصره. وهذا يدل على أنهم اعتصموا به أتم اعتصام فهم مهديون بشهادة الرب لهم بلا شك. واتباع المهدي واجب شرعاً وعقلاً وفطرةً بلا شك.

وما يرد على هذا الوجه من أن المتابعة لا تستلزم المتابعة في جميع أمورهم فقد تقدم جوابه.

12 - قوله تعالى:- عن أصحاب موسى – {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة 24].

فأخبر تعالى أنه جعلهم أئمة يأتم بهم من بعدهم لصبرهم ويقينهم؛ إذ بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. فإن الداعي إلى الله تعالى لا يتم له أمره إلا بيقينه للحق الذي يدعو إليه وبصيرته به، وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله باحتمال مشاق الدعوة وكف النفس عما يوهن عزمه ويضعف إرادته. فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره تعالى.

ومن المعلوم أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحق وأولى بهذا الوصف من أصحاب موسى. فهم أكمل يقيناً وأعظم صبراً من جميع الأمم. فهم أولى بمنصب هذه الإمامة. وهذا أمر ثابت بلا شك بشهادة الله لهم وثنائه عليهم وشهادة الرسول لهم بأنهم خير القرون وأنهم خيرة الله وصفوته. ومن المحال على من هذا شأنهم أن يخطئوا كلهم الحق ويظفر به المتأخرون. ولو كان هذا ممكناً لانقلبت الحقائق. وكان المتأخرون أئمة لهم يجب عليهم الرجوع إلى فتاويهم وأقوالهم وهذا كما أنه محالٌ حساً وعقلاً فهو محال شرعاً.- وبالله التوفيق -.

13 - قوله تعالى:- {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً} [الفرقان 74].

وإمام بمعنى: قدوة ([100]). وهو يصلح للواحد والجمع كالأمة والأسوة.

وقد قيل:هوجمع آمم ([101]) كصاحب وصحاب وراجل ورجال وتاجر وتجار.

وقيل: هو مصدر ([102]) كقتال وضراب أي ذوي إمام.

والصواب:- الوجه الأول. فكل من كان من المتقين وجب عليه أن يأتم بهم؛ لأنهم قدوة القدوة بعد رسولهم صلى الله عليه وسلم، ومن المحال على من هذا شأنهم أن يخطئوا كلهم الحق ويظفر به المتأخرون.

والتقوى واجبة، و الائتمام بهم واجب. ومخالفتهم فيما أفتوا به مخالف للائتمام بهم.

وإن قيل:- نحن نأتم بهم في الاستدلال وأصول الدين.

فقد تقدم من جواب هذا ما فيه كفاية.

ثانياً:- الأحاديث النبوية ([103]):

لقد وردت أحاديث كثيرة تحض على الاقتداء بالصحابة على وجه العموم و على وجه الخصوص أيضاً، إلا أنه ينبغي التنبيه على أن القول بحجية قول الصحابي لا يعني أبداً القول بعصمتهم بل هم بشر يصيبون ويخطئون، إلا أن خطأهم أقل من خطأ غيرهم بكثير، كما أن إصابتهم للحق أكثر من إصابة غيرهم ممن جاء من بعدهم.

وينبغي – أيضاً – أن يستحضر القارئ حين قراءته لهذا المبحث أن المراد بحجية قول الصحابي: هو ما أثر عن الصحابة أو أحدهم من قول أو فعل أو فتيا ولم يعلم له مخالف في ذلك بل لم ينقل إلينا إلا قوله أو فعله أو فتياه.

ومما ينبغي استحضاره – أيضاً – أن الحجة في قول الصحابي ليست في قوله لذاته؛ بل لأن الشارع ضمن حفظ الحق أبداً إلى أن تقوم الساعة، وأنه لا يخلي عصراً من العصور منه، كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر 9]. فلو قال الصحابي قولاً ولم يكن صواباً بل الصواب في غيره ولم ينكره عليه أو يخالفه فيه أحد ممن عاصره حتى انقضى ذلك العصر، ثم جاء من بعده فقال بخلاف قوله لكان ذلك العصر قد خلا من ناطق بالحق، بل كانوا مطبقين على الباطل، فهذا هو الذي ينكر.

وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز لمن جاء بعدهم مخالفتهم أو مخالفة أحدهم إذا لم ينقل عن أحد ممن عاصره خلافه، كما لو اختلفوا – أعني الصحابة – على قولين لم يجز لمن جاء بعدهم إحداث قول ثالث خارجٍ عن القولين.

وكما قلت: الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً منها ما يأتي:-

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير