من عَادَة الْبُخَارِيّ إِذَا مَرَّتْ بِهِ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ تُوَافِقُ كَلِمَةً فِي الْقُرْآنِ نَقَلَ تَفْسِيرَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي مِنْ الْقُرْآنِ
6 - في ((كتاب العلم)) ((بَاب فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ)) رقم ((77)) قَالَ البخاري: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَىعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: قَالَ إِسْحَاقُ: وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَيَّلَتْ الْمَاءَ قَاعٌ يَعْلُوهُ الْمَاءُ وَالصَّفْصَفُ الْمُسْتَوِي مِنْ الْأَرْضِ
قَالَ الحافظ ((فتح الباري)) (1/ 130): قَوْله: (قَاع يَعْلُوهُ الْمَاء. وَالصَّفْصَف الْمُسْتَوِي مِنْ الْأَرْض)
هَذَا ثَابِت عِنْد الْمُسْتَمْلِيّ، وَأَرَادَ بِهِ أَنَّ قِيعَان الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث جَمْع قَاع وَأَنَّهَا الْأَرْض الَّتِي يَعْلُوهَا الْمَاء وَلَا يَسْتَقِرّ فِيهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الصَّفْصَف مَعَهُ جَرْيًا عَلَى عَادَته فِي الِاعْتِنَاء بِتَفْسِيرِ مَا يَقَع فِي الْحَدِيث مِنْ الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي الْقُرْآن، وَقَدْ يَسْتَطْرِد. وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ الْمُصْطَفّ بَدَل الصَّفْصَف وَهُوَ تَصْحِيف.
7 - ذكر البخاري في ((كتاب الجنائز)) ((بَاب فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ)) تحت الحديث رقم ((1239)) قول ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ
قَالَ البخاري: {فَرَّطْتُ} ضَيَّعْتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
قَالَ الحافظ ((فتح الباري)) (4/ 382): قَوْله: (فَرَّطْت: ضَيَّعْت مِنْ أَمْر اللَّه)
كَذَا فِي جَمِيع الطُّرُق، وَفِي بَعْض النُّسَخ " فَرَّطْت مِنْ أَمْر اللَّه أَيْ ضَيَّعْت " وَهُوَ أَشْبَه. وَهَذِهِ عَادَة الْمُصَنِّف إِذَا أَرَادَ تَفْسِير كَلِمَة غَرِيبَة مِنْ الْحَدِيث وَوَافَقَتْ كَلِمَة مِنْ الْقُرْآن فَسَّرَ الْكَلِمَة الَّتِي مِنْ الْقُرْآن، وَقَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَة سَالِم الْمَذْكُورَة بِلَفْظِ " لَقَدْ ضَيَّعْنَا قَرَارِيط كَثِيرَة ".
8 - قَالَ البخاري ((كتاب الجهاد والسير)) ((بَاب أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ الْوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ))
{بَيَاتًا} لَيْلًا
{لَنُبَيِّتَنَّهُ} لَيْلًا يُبَيَّتُ لَيْلًا
قَالَ الحافظ ((فتح الباري)) (9/ 223): قَوْله: (بَيَاتًا لَيْلًا)
كَذَا فِي جَمِيع النُّسَخ بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ التَّحْتَانِيَّة الْخَفِيفَة وَبَعْد الْأَلِف مُثَنَّاة، وَهَذِهِ عَادَة الْمُصَنِّف إِذَا وَقَعَ فِي الْخَبَر لَفْظَة تُوَافِق مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآن أَوْرَدَ تَفْسِير اللَّفْظ الْوَاقِع فِي الْقُرْآن جَمْعًا بَيْن الْمَصْلَحَتَيْنِ وَتَبَرُّكًا بِالْأَمْرَيْنِ.
وبهذا نكون قد انتهينا من الفائدة الأولى التي استقرائها الحافظ ابن حجر من صنيع إمام المحدثين أبي عبد الله البخاري، فمثل هَذَا حريّ بأن يجمع لكشف كثير مما استغلق فهمه علينا من صنيع الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ، ولدفع كثير من الاعتراضات التي وجهت لإمام المحدثين ولكتابه الجامع الصحيح.
إيقاظ وتنبيه: لم يبق لنا من التعليق على هذه الفائدة النفيسة إلا إيراد ما اعترض به الكرماني على هذه الصنيع من إمام المحدثين ورد الحافظ ابن حجر عليه إن شاء الله تعالى.
¥