4 - إذا كان في السند راويان روى أحدهما عن الآخر، وكان البخاري قد خرّج لهما في الصحيح، فلا بد من معرفة ما إذا كان البخاري قد خرّج لهما على صورة الاجتماع على هذا النّسق أم لا، فقد يكون الرجلان على شرط البخاري، لكنه لم يخرّج لهذا ما رواه عن شيخه خاصة؛ بسبب علّة وقعت في حديثه عن هذا الشيخ خاصة؛ فتصير روايته عن شيخه ليست على شرط البخاري، حتى وإن كان قد خرّج لكليهما لكن ليس على صورة الاجتماع هذه.
وها هو الحافظ ابن حجر يوضّح هذه المسألة عندما تكلّم عن أقسام الأحاديث المستدركة على الصحيحين، فقال: "الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يخرّجه محتجاً برواته في الصحيحن أو أحدهما على صورة الاجتماع سالماً من العلل، واحترزنا بقولنا على صورة الاجتماع عمّا احتجا برواته على صورة الانفراد، كسفيان بن حسين عن الزهري، فإنهما احتجا بكل منهما على الانفراد، ولم يحتجا برواية سفيان بن حسين عن الزهري؛ لأن سماعه من الزُّهري ضعيف دون بقية مشايخه، فإذا وجد حديث من روايته عن الزُّهْري لا يقال إنه على شرط الشيخين؛ لأنهما احتجا بكل منهما، بل لا يكون على شرطهما إلا إذا احتجا بكل منهما على صورة الاجتماع" (1)
ومعرفة هذه المسألة تعين على الإجابة عن السؤال الذي ختمت به دراسة الحديث، وهو في الفقرة التي عنوانها:
5 - لماذا لم يخرّج البخاري هذا الحديث في الجامع الصحيح؟
بعد دراسة الإسناد يتبيّن جواب هذا السؤال، وقد تنوعت أسباب ذلك كما سيرد في الصفحات القادمة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه المسائل الأربعة وما تحتوي عليه من مسائل فرعية ليست عناوين ثابتة في دراسة كل حديث وإنما توجد كلها أو بعضها حسب طبيعة الإسناد الخاضع للدراسة.
مناهج البحث في هذه الدراسة:
ومن أجل تحقيق هذه الأعمال سلكت المناهج البحثية التالية:
(1) منهج الاستقراء والتتبع لأحكام البخاري النقدية، والأحاديث موضوع الدراسة من مظناتها.
(2) منهج التحليل لعبارات البخاري وعبارات النقاد الآخرين؛ لمعرفة مدلولاتها، وتحليل الأسانيد التي صححها البخاري؛ لاستخراج مكنوناتها.
(3) منهج المقارنة والاستنباط؛ لاستخراج النتائج المتوخاة.
وقد اخترت عنواناً يعبّر عن حقيقة هذا البحث، ويناسبه، وهو "الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها ولم يودعها الجامع الصحيح: جمعاً وتخريجاً ودراسة".
أسباب اختيار الموضوع:
حفزني لاختيار هذا الموضوع جملة أسباب، أهمها:
1 - الوقوف على الأحاديث التي صححها البخاري خارج الجامع الصحيح، وجمعها في مصنّف واحد.
2 - معرفة مدى دقة منهج الاختصار الذي سلكه البخاري في تصنيف الجامع الصحيح، وهل يمكن الاستدراك عليه؟
3 - معرفة هل سلك البخاري في تصحيح هذه الأحاديث منهجه المعروف في الجامع الصحيح؟ أم أن له منهجاً آخر فيها لابد من الوقوف عليه؟
4 - معرفة حقيقة شروط البخاري في الصحيح: هل هي شروط كتاب أم شروط صحة من حيث الاتصال والرجال والعلل؟
صعوبات البحث:
اعترضتني صعوبات أثناء إعداد هذا البحث، منها عوائق توجد في أي بحث علمي مهما كان ميدانه، ومنها صعوبات خاصة بموضوع البحث، وأهمها:
1 - دقّة عبارات البخاري في الحكم على الأحاديث، وصعوبة فهمها، وتعارض الاحتمالات التي تعيّن قصده منها فهل هي تصحيح أم نفي وَهَم فقط؟ ولا عجب؛ لأن ميدان علل الحديث أدق ميدان وأعظمه خطراً.
2 - تشابك الأسانيد، وتفرّعها، وتوزعها بين عدد كبير من المصادر.
3 - اختلاف النقّاد في الحكم على الرواة، وفي تعليل الأحاديث.
4 - صعوبة البحث عما يدعم رأي البخاري في تصحيح بعض الأحاديث رغم وجود العلل فيها.
5 - سعة ميدان الدراسة الذي يشمل كتب البخاري، وجامع الترمذي، وعلله المفرد.
الدراسات السابقة:
وقد كنت أظن أنه لم يُصنَّف في هذا الموضوع من قبل، ولكني قبل الانتهاء من هذا البحث أطلعني أحد طلبة العلم –جزاه الله خيراً- على كتاب بعنوان "التصريح بما صحح البخاري في غير الصحيح" جمع وإعداد عثمان فاضل، فقلت في نفسي: إن فاتني السبق بالتصنيف، فلن تفوتني الإفادة مما كتب هذا الباحث، وبعد مطالعة الكتاب خرجت بعدد من الملاحظات، هذه أبرزها:
¥