تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ج/ نصيحتي لطلبة العلم، أن يخلصوا لله النية، ويتضرعوا إلى الله تعالى دائما دون انقطاع، ويرجوا منه الصحة والعافية والسلامة والتوفيق وسداد الخطوات ونجاح الجهود، ويحاولوا بقدر الإمكان أن يهيئوا أنفسهم من خلال دراسة كتاب مختصر، كخطوة أولى في مجال التكوين، وحفظ ما فيه من المصطلحات أو القواعد، وإن لم يفهم منها شيئا؛ إذ الهدف من ذلك هو تهيئة النفس لدراسة الكتب الأخرى في الموضوع ذاته.

بعد ذلك ينتقل الطالب إلى كتاب آخر لدراسة الموضوع ذاته، لكن بأسلوب آخر، وهو دراسة كل مسألة على حدة عن طريق المقارنة بين أكثر من كتاب، لا سيما بين كتب المتقدمين وكتب المتأخرين، حيث يساعد ذلك على استيعاب الطالب الموضوع الذي يقوم بدراسته.

فإذا لاحظ الطالب في أثناء المقارنة شيئا من الفروقات بين الكتب حول مسألة ما، فعليه أن يتجه نحو أستاذ متخصص، أو يعتمد على نفسه - إن أمكن - لتحديد الإشكال ثم الإجابة عنه.

لا ينبغي أن يشكّل هاجس الخوف من احتمال وقوع خطأ في فهمه أو استنتاجه مانعا من سعيه شخصيا في سبيل ذلك، وإن كان الخطأ مما لا بد منه في بداية الطريق بشكل طبيعي فإن هذا الأسلوب المتمثل في المقارنة يساعده في المستقبل على تجنب الأخطاء، وتنمية مواهبه العلمية، وذلك فقط إذا كان نفسه مستعدا للنقاش مع إخوانه حول ما استنتجه وتوصل إليه، وقبول الحق منهم، حتى وإن كانوا ممن يكرههم أو أقل منه شأنا.

أما إذا كان متكبرا ومقدسا لما كان يفهمه، ومعظما لنفسه، فعليه أن يترك هذا المجال العلمي لأهله.

إن طريقة المقارنة في الدراسة مفيدة جدا، وعلى الطالب أن يتدربها شيئا فشيئا منذ الخطوة الأولى في مرحلة التكوين، فإذا اعتمد الطالب في بداية حياته العلمية هذا الأسلوب، واستمر على ذلك تحت توجيهات الأساتذة المتخصصين، فإنه بإذن الله تعالى يستطيع أن يكوِّن نفسه تكوينا علميا صحيحا يساعده على إثراء المكتبات العلمية بالإبداع والعطاء العلمي المتجدد.

للأسف الشديد نرى من الباحثين من لا يهتم بدراسة المقارنة إلا لدافع عدائي، فإذا ظهر بينه وبين غيره عداوة سعى جادا في تتبع ما ألقاه من المحاضرات وما كتبه من الأبحاث وما ألفه من الكتب، ونبش المهملات التي تراجع عنها مخالفه، ذلك من أجل المقارنة بين الجديد والقديم، ثم يهيئ نفسه لتوجيه التهم نحوه بالتناقض أو بالانحراف أو غير ذلك. أما في غير ذلك فهو هادئ مقلد ومعيد ومعظم مقدس.

بقي هنا أمر آخر مهم للغاية، وهو ما يتصل بسلوك الطالب؛ فمثلا؛ لما تتبين له الإجابة ويتم حل الإشكال، سواء عن طريق الأستاذ أو بناء على جهده الشخصي، وأصاب الحق في ذلك، فعليه أن يحمد الله تعالى ويشكره، ولا يتخذ من ذلك ذريعة لإثارة الفتن أو للتكبر على زملائه أو أساتذته، ولتحقيرهم، كما يجب عليه أن يعتقد ذلك نعمة من الله تعالى، أعطاه الله تعالى إياها ليبلوه أيشكر أم يكفر. (والله تعالى أعلم).

س2/ فضيلة الشيخ حفظك الله وسدد خطاك:

معرفة رجال الحديث لا يتقنه أي أحد بالجرح والتعديل، و لا يسيرعلى منهجه الصحيح إلا من وفقه الله تعالى لذلك، فأرشدنا حفظك الله للطريق الصحيح لهذا الدرب. وهل هو بسرد كتب الرجال؟ أم يعتمد ذلك على حفظ الأسانيد؟

أقول: (وبالله التوفيق) جزاك الله خيرا، وكم يسرنا أن نسمع من شبابنا اليوم مثل هذا السؤال الذي يدل على مدى اهتمامهم بالحديث وعلومه، وما يلاقونه في سبيل طلب العلم من حيرة، لقلة من يوجههم توجيها سليما.

أحب أن أذكرك بما يلي:

أولا: إن علم الجرح والتعديل ليس أساسا في التصحيح والتعليل، كما هو الشائع لدى الكثيرين، وإنما جاء هذا العلم بعد التصحيح والتعليل كنتيجة، لقد كان النقاد يستثمرون جهدهم في تصحيح الأحاديث وتضعيفها من أجل معرفة أحوال رواتها وتمييز الثقات من الضعفاء، وتصنيفهم في سلم الجرح والتعديل بدقة متناهية ليكون ذلك معولا عليه في التصحيح والتضعيف عند الضرورة؛ لذا ينبغي أن لا نتوجه مباشرة - قبل أن نعرف حالة الرواية من حيث التفرد والمخالفة والموافقة - نحو ترجمة كل من ورد في السند من الرواة، وهذا عمل غير منهجي، بل هو عمل مرهق دون فائدة تذكر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير