السؤال: هل كل أحاديث صحيح البخاري صحيحة؟
الجواب:
الحمد لله
صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري هو أصح كتاب مأثور بعد كتاب الله تعالى، وما زال العلماء والمحدثون والحفاظ يشهدون له بالجلالة والمرتبة العالية في التوثيق والإتقان، حتى نقل الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في " صيانة صحيح مسلم " (ص/86) بسنده إلى إمام الحرمين الجويني أنه قال:
" لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق، ولا حنثته، لإجماع علماء المسلمين على صحتهما " انتهى.
وليس ذلك بمستبعد والبخاري هو الإمام الحافظ الكبير الذي شهد له جميع المحدثين بالحفظ والإتقان، وقد كان يستخير الله تعالى ويصلي ركعتين في كل حديث يثبته في كتابه حتى أتمه على هذا الوجه.
ونحن وإن كنا نعلم أنه قد وجهت بعض الانتقادات اليسيرة لأحاديث معدودة مثبتة في صحيح البخاري، إلا أننا نؤكد أنه لا حرج في إطلاق الصحة على جميع أحاديث الكتاب، وذلك لما يلي:
1 - أكثر العلماء والمحدثين يرون الصواب مع الإمام البخاري فيما انتقد عليه، ومعلوم أنه ليس من المنهج السليم التسليم بالانتقاد لمجرد وجوده، بل الأمر يرجع إلى الحجة والبرهان، وقد فصل الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه العظيم " فتح الباري "، وخاصة في مقدمته المسماة " هدي الساري " الجواب عن هذه الانتقادات اليسيرة، وأوضح وجه الصواب فيها.
2 - مجموع أحاديث صحيح البخاري بالمكرر – بترقيم الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله – بلغ (7563) حديثا، فإذا عرفنا أن الانتقادات الموجهة لا تتجاوز بضع عشرات، وأن أكثر هذه الانتقادات إنما هي موجهة لأمور تتعلق بالأسانيد ورسومها، أو لأمور تتعلق ببلوغ درجة أصح الصحيح، أو تتعلق بكلمة أو كلمتين من الحديث، وأما الانتقادات المتعلقة بأمور تؤثر في صحة المتن فهي نادرة نحو الحديث والحديثين والثلاثة - إذا عرفنا ذلك كله أدركنا أن إطلاق الصحة على جميع ما في البخاري من متون مسندة في صلب الكتاب إطلاق صحيح لا يجوز إنكاره.
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" أجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما " انتهى.
"تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 73)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
" ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (18/ 74)
ويقول الحافظ ابن حجر في الجواب على وجود انتقادات لصحيح البخاري:
" والجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول:
لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، فإنهم لا يختلفون في أن علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك، حتى كان يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. ومع ذلك فكان علي بن المديني إذا بلغه ذلك عن البخاري يقول: دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه. وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري وقد استفاد منه ذلك الشيخان جميعا، وروى الفربري عن البخاري قال: ما أدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته. وقال مكي بن عبد الله سمعت مسلم بن الحجاج يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته. فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له، أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما، فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما، فيندفع الاعتراض من حيث الجملة.
وأما من حيث التفصيل فالأحاديث التي انتقدت عليهما تنقسم أقساما:
القسم الأول منها: ما تختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد، فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة، وعلله الناقد بالطريق الناقصة، فهو تعليل مردود ... وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلله الناقد بالطريق المزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف ... فمحصل الجواب عن صاحب الصحيح أنه إنما أخرج مثل ذلك في باب ماله متابع وعاضد، أو ما حفته قرينة في الجملة تقويه، ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع.
¥