تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى هذا يتضح أن معنى (في ذلك) في حديث عبد الله بن مسعود لا يمكن أن يكون مثلية في الأربعينات من الأيام. فينبغي فهم حديث ابن مسعود برواية البخاري بما ينسجم مع رواية مسلم ومع الأحاديث الأخرى المتعلقة بالموضوع. وينبغي التنبيه على أن هناك كلمة أدرجت في رواية البخاري عمقت المفهوم الخاطيء لأطوار الجنين وهي كلمة نطفة في الجمل الأولى من الحديث: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة .. الحديث) فكلمة نطفة غير موجودة في رواية البخاري فضلا عن عدم وجودها في أي رواية صحيحة.

رابعا: متى تنفخ الروح في الجنين؟ أبعد أربعين واحدة أم بعد ثلاثة أربعينات؟

إن هذه القضية كما قلنا لا يفصل فيها العلم الحديث ولكن تفصل فيه النصوص الشرعية. ولا يوجد فيما أعلم نص صريح وصحيح إلا حديث جمع الخلق الذي رواه البخاري و مسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو الصادق المصدوق) أن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد). رواه مسلم

وقد اتفق علماء المسلمين أن الجنين تنفخ فيه الروح بعد اكتمال طور المضغة، بناء على هذا النص النبوي الصريح. وبما أنه قد ثبت أن زمن المضغة يقع في الأربعين يوما الأولى، بنص رواية الإمام مسلم لحديث جمع الخلق، وحديث حذيفة بن أسيد (إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون يوما ... الحديث وتوافق حقائق علم الأجنة الحديث مع هذه الأوصاف الشرعية لأطوار الجنين؛ إذا فالروح تنفخ بعد الأربعين الأولى من عمر الجنين ليس قبل ذلك – بيقين. لكن متى يحدث ذلك بالضبط؟ أبعد شهرين أم ثلاثة أم أربعة أو اقل أو أكثر؟ لا أظن أن أحدا يستطيع أن يحدد موعد نفخ الروح على وجه الجزم واليقين في يوم بعينه بعد الأربعين يوما الأولى! حيث لا يوجد فيما أعلم نص صحيح في ذلك.

لكن يمكن أن يجتهد في تحديد الموعد التقريبي استئناسا بقول الله تعالى: " ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ " (السجدة: 9) حيث يمكن أن يفهم منه أن الروح تنفخ في الجنين بعد التسوية، وبما أن التسوية تأتي بعد الخلق مباشرة لقوله تعالى:" الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ". الانفطار فيمكن القول بأن الروح تنفخ في الجنين بعد مرحلة الخلق أي بعد الأسبوع الثامن من عمره أي في مرحلة النشأة خلقا آخر وهو استنتاج معظم المفسرين الذين قالوا إن طور النشأة خلقا آخر هو الطور الجنيني الذي تنفخ فيه الروح والتي لا يكون إلا بعد طوري العظام وكسائه باللحم كما نصت الآية الكريمة. ويعضد ذلك حرف (ثم) الذي يفيد التراخي في حدوث الفعل حينما ذكر مع نفخ الروح في حديث جمع الخلق حيث ورد (ثم ينفخ فيه الروح كما في البخاري أو ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح كما في مسلم).

وحيث أنه لا ينتهي الأسبوع الثامن إلا وجميع الأجهزة الرئيسية قد تخلقت وانتهى طور المضغة في الأربعين يوما الأولى من عمر الجنين وتميزت الصورة الإنسانية وسوى خلق الإنسان خلال هذه الفترة أو بعدها بقليل؛ فعليه يمكن للروح أن تنفخ في الجنين بعد انتهاء عملية الخلق في الأسبوع التاسع أو العاشر أو بعد تميز الأعضاء التناسلية في الأسبوع الثاني عشر أو بعد ذلك! والله أعلم.

لكن هل توجد علامات تدل على أن الجنين قد نفخت فيه الروح؟ نعم يمكن أن يكون نوم الجنين علامة على نفخ الروح فيه قياسا على النائم الذي يتمتع بالحياة رغم أن الروح قد قبضت منه مؤقتا. أخذا من قول الله تعالى:" اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " الزمر: 42.

كما يمكن أن تكون الحركات الإرادية دليلا على وجود الروح. وقد أشار لذلك بن القيم في وصفه الجنين قبل وبعد نفخ الروح فقال: كانت فيه حركة النمو والاغتذاء كالنباتات، ولم تكن حركة نموه واغتذاءه بالإرادة، فلما نفخت فيه الروح انضمت حركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه (15).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير