تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليتك يا شيخنا الفاضل تخصص لهذا الموضوع كتيّباً من كتبيّباتك القيمة المفيدة. فقد عرفت فيك بعد النظر وسعة الاطلاع وحسن الفهم ما يقل أن يوجد عند غيرك. والموضوع شائك يحتاج فعلاً لكلمة أطول من "نعم" أو "لا". وجزاك الله خيراً على جهودك، وبارك بك. محمد الأمين.

ج/ أقول: جزاك الله تعالى خير الجزاء، وبارك في جهدك، وعلمك، وسدد خطاك، ومداخلاتك قوية تدل على كثرة الاطلاع والتتبع والتحليل.

مسألة الجرح والتعديل مسألة شائكة جدا، وفي كثير من الأحيان لا يصفو كدر الإشكال فيها، لذا يتوقف استيعابها على ممارسة طويلة لنصوص النقاد فيها، لأن مناهجهم – وإن كانت كما شرحت – مؤسسة على المعرفة والخبرة، فكلامهم في الجرح والتعديل منضبط بقواعدهما، لكن الخلل والغموض والإشكال يأتي دائما من تفسيرنا لمصطلحاتهم، وسوء فهمنا لمقصودهم بها.

الذي ينبغي فهمه في ضوء ما ذكرتَ في السؤال هو ما يأتي:

أ - إذا كان منهج العلماء في الجرح والتعديل معروفا، وطريقة استخدامهم لمصطلح (ثقة) تتفاوت بين ناقد وآخر، أو بين حين وآخر بالنسبة إلى ناقد واحد؛ فإن تفسير هذا المصطلح لا يكون مستقيما إلا إذا راعينا فيه ذلك التفاوت.

فمثلا: علمنا من خلال التتبع أن ابن معين كان يستخدم مصطلح (ثقة) فيمن كثرت أحاديثه واستقامت معظمها، وفيمن لم يعرفه هو إلا بحديث واحد مستقيم، وبالتالي فإن معنى هذا المصطلح لا يكون موحدا في الحالتين؛ فيعني ابن معين في الأولى: أن الراوي كثير الحديث مع استقامة حفظه في رواية معظمه، أو أنه ضابط للأحاديث ولم يختل حفظه فيها، بينما يكون المعنى في الحالة الثانيه غير ذلك، وهو أنه وقف على حديث واحد مستقيم لذلك الراوي، وأنه ثقة في هذا الحديث، ولا يعني أبدا أنه ثقة ضابط في جميع أحاديثه، وإذا فسرناه في الحالتين جميعا بما هو متبادر في الذهن، ألا وهو قوي الحفظ وضابط لمعظم أحاديثه أو أكثره، فإن مصدر الخلل هنا فيما يخص توثيق ابن معين يكون من سوء فهمنا.

لا شك أن الراوي الذي وثقه ابن معين بناء على استقامة حديث واحددون تتبع لما رواه من الأحاديث قد يكون محل اضطراب، وتذبذ، إذا راجعه أحد بواقع أمره غير رأيه بسهولة.

إذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى منهج ابن معين في الجرح والتعديل فإنه لا يقدم قوله في توثيق راو جرحه غيره بعد أن جرب أحاديثه.

من المعلوم أن معرفة منهج العلماء في الجرح والتعديل لها فوائد عظيمة، من أهمها الترجيح عند الاختلاف، وفي حال كون الراوي لم يجرحه أحد ولم يوثقه، بل تفرد ابن معين – مثلا - بتوثيقه يكون ذلك التوثيق محتملا للوجهين مما يقتضي التريث والتحفظ في نسبة الحكم إلى ابن معين، بل يتطلب إلى سبر مرويات ذلك الراوي، وعرضها على رواية الثقات.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن علماء الجرح والتعديل- منهم البخاري ومسلم- قد يوثقون الرواة من التابعين ويصححون أحاديثهم مع أنهم لم يعرفوا إلا من جهة راو واحد، وقد أقر ذلك الإمام الدارقطني حين وضع كتابا تحت عنوان (الإلزامات). هذا لا يعني أن ذلك يكون مطلقا، وإنما يتوقف ذلك على جلالة الراوي الذي روى عنه الحديث، وإمامته، وطبيعة روايته عن الشيوخ عموما، وتحفظه في ذلك.

فالإمام الدارقطني قد وافق البخاري ومسلما في تصحيح أحاديث بعض الرواة التابعين، ممن لم يعرفوا إلا عن طريق أحد الأئمة الأجلاء، ثم أضاف إلى ذلك الدارقطني عددا آخر من التابعين قياسا على صنيع الشيخين، فعبر عن ذلك بالإلزام. وليس ذلك استدراكا على الشيخين بما فاتهما من الأحاديث، لكن بعض المتأخرين فهموا كذلك، فأجابوا بقولهم بأنه لا يلزمهما؛ إذ لم يشترطوا استيعاب الأحاديث الصحيحة.

وحسب القواعد التي درسناها في كتب المصطلح، والتصورات التي بنيناها حول مسائل علوم الحديث لا يصفو لنا كدر الإشكال في ذلك الصنيع المتمثل في توثيق بعض التابعين ممن لم يعرفوا إلا عن طريق راو واحد، ويكتنف حولها الغموض، بل نعدهم من المجاهيل، فإن الجهالة حسب تلك القواعد لا ترتفع إلا برواية أكثر من واحد، لكن الأمر ليس كذلك عند النقاد، قد يكون الراوي عندهم مجهولا على الرغم من رواية غير واحد عنه، وقد يكون معروفا بل يكون ثقة وصحيح الحديث مع كونه لم يرو عنه إلا واحد، إذن ليست المسألة متوقفة على العدد، والقياس، وإنما على نوعية الراوي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير