تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ب- أما الدليل على عدم صحة هذه الزيادة متنا فهو ما يلى:معارضتهالأصل من أصول الإسلام، وهو عصمة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلامبمعنى: حفظ الله ظواهرهم وبواطنهم، وتفكيرهم وخواطرهم، وسائرا أعمالهم، حفظا كاملا، فلا يقع منهم قط ما يشكك فى نبوتهم ورسالاتهم، وهذا البلاغالمعمرى أو الزهرى، لم يبق لعصمة النبى صلى الله عليه وسلم مكانا فى مدةالحزن اليائس التى تقول أقصوصة هذا البلاغ إنه صلى الله عليه وسلم مكثهاوهو يغدو مرارا كى يتردى من شواهق الجبال، ولاسيما على مذهب من يرى أن مدةفترة الوحي – وهى مدة الحزن اليائس – قد طالت إلى ثلاث سنوات، أو سنتينونصف سنة، أو ستة أشهر، وفى هذا البلاغ الضعيف تصريح بأن صاحبه يذهب مذهبمن يرى طول مدة فترة الوحي لأن ما ذكر فيه من الغدو مرارا لكى يلقىبنفسه من ذرا الشواهق يقتضى طول المدة، ولاسيما مع تمثل جبريل له وقوله: أنا جبريل، وأنت رسول الله حقا، أكثر من مرة. يتعارضهذا البلاغ مع ما يجب أن يكون عليه النبى صلى الله عليه وسلم من رسوخالإيمان بنبوته، وكمال اليقين برسالته، ولا شك أن ما جاء فى هذا البلاغ، من تبدى جبريل عليه السلام للنبى صلى الله عليه وسلم كلما أوفى بذروة جبللكى يلقى منها نفسه، وقوله له: يا محمد: أنت رسول الله حقا، فإذا طالتعليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليهالسلام، فقال مثل ذلك – يصور مدى ما بلغه ذلك الحزن اليائس – فى زعمقائليه – من نفس النبى صلى الله عليه وسلم حتى جعله يتشكك فى تبدى جبريلله، وفى إخباره أنه رسول الله حقا، فالنبى صلى الله عليه وسلم - كما تصرحبه عبارة هذا البلاغ – لم يكد يسكن جأشه لتبدى جبريل له وإخباره أنه رسولالله حقا حتى يعود إلىعزيمته فى إلقاء نفسه من ذرا شواهق الجبال، فيتبدىله جبريل مرة أخرى، ويقول له: يا محمد، أنت رسول الله حقا.

فأين سكون جأشه الذى أحدثه فى نفسه تبدى جبريل له، وإخباره أنه رسول الله حقا؟.

وأينرسوخ إيمانه برسالة ربه التى شرفه بها قبل فترة الوحي، وأنزل عليه فى أولمراتب وحيها فى غار حراء قرآنا يتلى، حتى يعود عن عزيمته لإلقاء نفسه منذرا شواهق الجبال إذا طالت عليه فترة الوحي؟!.

إن ما تضمنه هذا البلاغ الضعيف يشمل أمرين:

أحدهما: ظاهر محسوس، يمكن مشاهدته، والحكم بوجوده أو عدم وجوده بمقتضى إمكان مشاهدته حسا.

ثانيهما:باطن محجوب فى داخل النفس، لا يمكن معرفته إلا بإخبار صاحبه الذى دار فىنفسه، أو إخبار من أظهرهم عليه بنقل ثابت عنه.

فذهاب النبى صلى الله عليهوسلم إلى أعالى الجبال وشواهقها التى ألف الصعود إليها فى أزمان خلواتهوتطلعاته للتفكر فى عجائب آيات الله الكونية، وبدائع ملكوته، أمر محسوس، يمكن الحكم عليه برؤيته ومشاهدته، ولا حرج فى أن يكون النبى صلى الله عليهوسلم قد حزن فى فترة الوحي اشتياقا لأنوار الشهود الروحانى الأعلى الذىكان يغمره فى أوقات نزول الوحي، ونزول آيات القرآن المبين، حزنا كان يغدومنه إلى ذرا الجبال التى كانت مأنس روحه، تطلعا إلى آفاق أشواقه لشهودتجليات أمين الوحي جبريل عليه السلام الذى سبق له أن تجلى فى آفاقهابصورته الملائكية الروحانية العالية.

... وكون هذا الذهاب إلى ذراشواهق الجبال لقصد التردى منها ليقتل نفسه – كما هو نص عبارة البلاغالضعيف – أمر باطن محجوب بأستار الضمير فى حنايا النفس، لا يعلمه، ولايطلع عليه إلا الله علام الغيوب، وإلا صاحبه الذى دار فى حنايا نفسه، وعزمعلى تحقيقه عمليا، وإلا من يظهره عليه صاحبه العليم به، بأخبار منه إليه، وكل ذلك لم يثبت!.

... وما روى عن ابن عباس من قوله: "مكث النبى صلىالله عليه وسلم أياما بعد مجئ الوحي لا يرى جبريل، فحزن حزنا شديدا حتىكان يغدو إلى ثبير مرة، وإلى حراء أخرى، يريد أن يلقى نفسه" غيرمسلم من وجوه: أ- أن حديث ابن عباس من رواية الواقدى، وهو معروف بالضعف، لا يقبل الجهابذة من المحدثين روايته إلا إذا اعتضدت بروايات الثقات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير