فمنها ما هو مختلف مع قوله في الكتاب نفسه، وهذا نادر في كتابه، ومنها تراجم كثيرة يختلف حكمه فيها عما هو مقتضى كلامه في التهذيب، ومنها ما هو مختلف مع أحكامه في كتبه الأخرى، ومن أحكامه ما هو موافق لترجمته في التهذيب لكنه يفتقر إلى نقد وغربلة لهذه الأقوال. وقد ذكر الشيخ عوامة نماذج لهذا كله (انظر مقدمة تحقيقه للتقريب الطبعة الأولى من الإخراج الجديد 1420هـ ص 52).
وقال الشيخ أبو الأشبال الباكستاني محقق "تقريب التهذيب" الذي قدم له العلامة بكر أبوزيد رحمه الله وأثنى على تحقيقه، وقال: وهذا الكتاب خرج بصفة أراها أصح الطبعات وأسلمها من التصحيف والغلط والوهم والسقط، فالطبعات السابقة بالنسبة لها كما قال شرف الدين البوصيري:
لاتذكر الكتب السوالف عنده طلع الصباح فأطفأ القنديلا
حاشا طبعة لكنو الهند عام 1356هـ بحاشية أميرعلي فهي أصح الطبعات السابقة رحم الله الجميع.
(مقدمة تحقيق التقريب /6، والغريب أن الدكتور ماهرا لم يذكر هذه الطبعة حين تكلم عن طبعات التقريب).
قال الشيخ أبوالأشبال: أما نقص بعض التراجم عن المصنف، ونقص الإحالات وخلو بعض التراجم عن ذكر المرتبة له أو الطبقة، وكذلك وجود بعض التراجم مكررة والاختلاف في ذكر الطبقة وفي ألفاظ الجرح والتعديل، وفوت بعض الحوالات في بعض التراجم فهذه كلها عن المصنف نفسه، ولها سبب كما سيأتي، ولكن من يستعجل قبل أن يعرف السبب يشك أن تكون النسخة المنسوبة إلى المصنف: أهي نسخته وبخط يده أم لا؟ .... ففكرت ما هو سبب وقوع الأخطاء فيه وهو الحافظ، قيل عنه: حافظ المشرق، وخاتمة الحفاظ، وأنه لا نظير له في عصره،
... وكنت في بحث هذا السبب حتى رأيت في كتاب انتقاض الاعتراض له السبب الذي لأجله وقع في التقريب بعض الأخطاء وبعض النقص من المصنف نفسه، وذلك لاشتغاله في شرح البخاري وانهماكه فيه وصعوبته التي لاقاها المصنف في شرح البخاري. (مقدمة تحقيق التقريب للباكستاني/18).
ومما قاله في بيان منهج تحقيقه: وجدت في أصل الكتاب 152 ترجمة تقريبا كتب الحافظ سنوات وفياتهم ناقصة فكملتها من التهذيبين أو مصادر أخرى. (مقدمة تحقيق التقريب لأبي الأشبال/27).
وقد ألفت عدة رسائل للدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود في دراسة الرواة الذين حكم عليهم الحافظ ابن حجر بـ "مقبول".
والمقصود أن صاحبي التحرير ليسا أول من ادعى وجود أخطاء وأوهام في التقريب فلا يصح التشنيع عليهما في ذلك، وإنما الواجب تجنب ما أخطآ فيه من التعقبات، وإقرارهما على ما أصابا فيه.
الوقفة الرابعة
لاشك أن الذي يقرأ كتاب الدكتور ماهر يدرك قدر ما بذله من جهد ووقت كبيرين في تتبع تحرير التقريب وودت لو أن الدكتور صرف ذلك الجهد والوقت في عمل علمي آخر أنفع لطلبة العلم، واكتفى بالتنبيه على ما في التحرير بتنبيهات إجمالية، تفيد طالب العلم في تعامله مع كتاب التحرير. ومعلوم أن كتاب التقريب، وكذلك التحرير إنما يشتغل بهما طلاب العلم المختصون، وهؤلاء ليسوا في حاجة إلى أن يوقفوا على كل خطأ مهما قل شأنه.
الوقفة الخامسة
اشتد حماس الدكتور ماهر في الدفاع عن كتاب الحافظ ابن حجر على نحو غريب، ومن شدة حماسه للحافظ بالغ في نقد صاحبي التحرير في كل كبير وصغير حتى وقع في أوهام وتناقضات سيأتي ذكر بعضها، كل ذلك من أجل أن يثبت خطأ صاحبي التحرير، وصواب ابن حجر، ولو كان الصواب مع صاحبي التحرير. ولم يقر لهما بأي صواب، وإذا اضطر لإقرارهما على شيء قرنه باتهامهما بأخذه عن غيرهما، وأنه لا فضل لهما فيه.
الوقفة السادسة
الذي يقرأ كتاب كشف الإيهام يرى بوضوح أن الدكتور ماهرا قد بالغ وأسرف في توبيخ صاحبي التحرير فلايكاد يخلو تعقب من التعقبات التفصيلية، وعددها 594 تعقبا من توبيخ وتقريع، فوددت لو ترك الدكتور ماهر ذلك، وأبان الصواب بلا توبيخ ولا تجريح ليكون ذلك أدعى لقبول الحق، ولاسيما أن أحد صاحبي التحرير شيخ للدكتور ماهر.
¥