قال الدكتور ماهر: " فحكاية توثيق أبي حاتم هكذا على الإطلاق دلت على عجلة وعدم دقة في نقل النصوص هما أكبر من أن يقعا فيها، فأبوحاتم قال في المترجم له:"ثقة لابأس به"، ومعلوم لكل ذي لب أن بين قول أبي حاتم وهو الإمام الناقد:"ثقة" فقط، وبين قوله:" ثقة لابأس به" بون شاسع [كذا، وصوابه:بونا شاسعا]، فمقتضى الثانية إنزاله إلى رتبة الصدوق، فعجز الكلمة فيه إضراب عن صدرها" (كشف الإيهام/239).
وقال أيضا: " نقلا أن أباحاتم الرازي وثقه، وهذا عين الإجحاف، ماقال أبوحاتم أمرا كهذا في هذا الراوي، بل قال:"ثقة لابأس به"، وأنت خبير أن مقارنة لفظ"ثقة" بـ "لابأس به" ينزل الراوي إلى درجة "صدوق" (كشف الإيهام/370).
أقول: لاشك أن قول أبي حاتم في الراوي "ثقة لابأس به" هو توثيق وليس بتجريح، والتوثيق درجات متفاوتة من أعلى درجة إلى أدنى درجة كما هو معلوم.
وهذا الذهبي يقول: زيد بن واقد أبو علي السمتي البصري عن حميد، وثقه أبوحاتم، وسمع منه بالري وهو أقدم شيخ له (ميزان الاعتدال3/ 157)، مع أن أباحاتم قال في هذا الراوي: بصري شيخ (الجرح والتعديل3/ 574)
وهذا الحافظ ابن حجر يقول في ترجمة إبراهيم النصيبي: وقد وثقه أيضا أبوحاتم فقال: لا بأس به (تعجيل المنفعة /14).
وهذا الهيثمي يقول: ويزيد بن سنان وثقه أبو حاتم، فقال: محله الصدق (مجمع الزوائد 1/ 193).
وأما ماذكره الدكتور ماهر أن لفظة "ثقة لابأس به" تقتضي إنزال من قيلت فيه إلى مرتبة الصدوق، فهذه ليست قاعدة مطردة، فلفظة "لابأس به" وحدها قد تطلق على الثقة الذي يصحح حديثه كما يستعملها ابن معين ودحيم كماهو معلوم، ويستعملها غيرهما أيضا أحيانا. فقد قال أبوحاتم الرازي في غوث بن سليمان: مصري صحيح الحديث لا بأس به (الجرح والتعديل 7/ 57).
والعجيب أن الدكتور ماهرا ذكر في القواعد التي ساقها في أول كتابه أن قولهم "ثقة لابأس به" أعلى من:"لابأس به" فقط، وأدنى من "ثقة" فقط (كشف الإيهام/99)، وهو في الترجمتين السابقتين يقرر أن من قيل فيه"ثقة لابأس به" فإنه ينزل إلى مرتبة الصدوق، وعلى هذا تكون لفظة:"ثقة لابأس به" عند الدكتور ماهر تساوي "لابأس به" وحدها.
الوقفة العاشرة
في تعقب 264/ 1662 ص 371: في ترجمة خالد بن أبي عمران الذي قال فيه ابن حجر: " فقيه صدوق"، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما:" بل: ثقة، وثقه أبوحاتم الرازي، وابن سعد .. " فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله: " نقلا عن ابن سعد توثيقه، هكذا على الإطلاق، وإنما قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، والمحرران يعلمان جيدا أن إقران المشيئة للفظ التعديل منزل عن مرتبته ".
وكذلك ذكر في القواعد التي ساقها في أول كتابه ص 99، فقال: " إقران المشيئة للفظ التعديل منزل له عن مرتبته ".
ولكنه ناقض نفسه في تعقب 292/ 2408ص 392 في ترجمة سعيد بن هانئ الخولاني الذي قال فيه ابن حجر: " قال العجلي: شامي ثقة "، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما:"هو صدوق حسن الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله "، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله: " أنزلاه إلى مرتبة صدوق من غير مستند، فالكل على توثيقه ".
أقول: نسي الدكتور ماهر ماقرره، ورد به على صاحبي التحرير في الترجمة الأولى من أن إقران المشيئة للفظ التعديل منزل له عن مرتبته، وهذا الراوي قال فيه ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، فكيف يدعي أن صاحبي التحرير ليس لهم مستند في ذلك؟!
الوقفة الحادية عشرة
في تعقب 286/ 2266 ص 386: في ترجمة سعدان بن سالم الذي قال فيه ابن حجر: " صدوق"، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما:" بل: ثقة، وثقه يحيى بن معين، وابن حبان .. " فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله: " هذه من المخالفات التي اعتدنا عليها في هذا الكتاب فإنما قال فيه ابن معين: ليس به بأس ".
أقول: لم يخطئ صاحبا التحرير فيما قالاه فكلمة:"ليس به بأس" توثيق، وقد قال ابن أبي خيثمة: قلت ليحيى بن معين: إنك تقول فلان:" ليس به بأس "، وفلان " ضعيف "؟ قال: إذا قلت:" ليس به بأس " فهو ثقة (أخبار المكيين /315).
¥