الأولى: أن هذا الكلام الذي نقله عن الدكتور بشار ليثبت تناقضه ليس في تحرير التقريب الذي ألفه بعد تحقيقه لتهذيب الكمال فلايصح أن يحتج عليه بقول له سابق فظاهر القاعدة التي اعتمداها في التحرير يدل على أنه تراجع عن ذلك القول القديم، وإنما يكون متناقضا لو كان ذكر هذا الكلام في تحرير التقريب.
الثانية: أن تعليق الدكتور بشار الذي نقله الدكتور ماهر من الطبعة القديمة لتهذيب الكمال قد حذفه الدكتور بشار من الطبعة الجديدة لتهذيب الكمال طبعة سنة 1418 هـ ذات المجلدات الثمانية. بل إنه قال في هامش (1) 2/ 92 من هذه الطبعة تعليقا على ترجمة حريز مانصه:
" قد ضعفه الأزدي، وبالغ ابن حبان في الحط عليه فقال في كتاب المجروحين 1/ 268: وكان يلعن علي بن طالب رضوان الله عليه بالغداة سبعين مرة، وبالعشي سبعين مرة، فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي بالفؤوس. وكان داعية إلى مذهبه، وكان علي بن عياش يحكي رجوعه عنه، وليس ذلك بمحفوظ عنه. ثم روى منام يزيد بن هارون. قال بشار: هذا تحامل من ابن حبان، وهو لم يذكر سند روايته، ولم يصح عنه ذلك ألبتة. وقد نقل هذا الكلام غير واحد منهم السمعاني وابن الأثير، وكان عليهما أن يتثبتا منه. وقال الذهبي في الميزان: كان متقنا ثبتا لكنه مبتدع، وقال في الكاشف: ثقة وهو ناصبي، وقال في المغني: ثبت لكنه ناصبي، وقال في الديوان: ثقة لكنه ناصبي مبغض ".
الثالثة: أن صاحبي التحرير أقرا ابن حجر في حكمه على حريز بقوله: "ثقة ثبت رمي بالنصب"، ولم يتعقباه بشيء (انظر تحرير التقريب1/ 263)، فلوكان الدكتور بشار باقيا على تعليقه المتقدم لذكره هنا، فلما لم يذكره، وأقر الحافظ على حكمه دل على أنه رجع عنه؛ فلايجوز أن يتهم بالتناقض.
الرابعة: أن الدكتور ماهرا نقل مثل تعليق الدكتور بشار الذي أنكره عليه في ترجمة إسحاق بن سويد البصري، فقال الدكتور ماهر: قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (1/ 236): وقال أبو العرب الصقلي في الضعفاء: " كان يحمل على علي تحاملا شديدا، وقال: لاأحب عليا. وليس بكثير الحديث، ومن لم يحب الصحابة فليس بثقة ولاكرامة " (كشف الإيهام/237).
أقول: هكذا نقل الدكتور ماهر ماذكره أبو العرب في إسحاق بن سويد وهو من رجال الشيخين، وسكت ولم ينكره عليه ولو بإشارة، لكنه أنكر على الدكتور بشار ذلك إنكارا شديدا، واتهمه أنه يرمي من وراء ذلك إلى نسف قواعد المحدثين الأوائل في البدعة والموقف منها، ويتخذ ذلك مدخلا إلى تسليط لسانه وقلمه على رجال الصحيحين ممن رمي بنوع بدعة، مع أنه رجع عن قوله كما تقدم، فلماذا لم ينكر على الصقلي ماأنكره على بشار؟!
الوقفة العشرون
في تعقب 100/ 413 ص 242: في ترجمة إسماعيل بن إبراهيم المخزومي، الذي قال فيه ابن حجر: "مقبول"، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما:" بل: ثقة، فقد روى عنه جمع، منهم علماء كبار: حاتم بن إسماعيل، وسفيان الثوري، ووكيع بن الجراح، ووثقه أبوداود، وابن قانع، وابن حبان، وقال أبو حاتم: "شيخ"، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله: " هكذا تعقباه!! ولو كان الحافظ حيا لربما قال بقول الشاعر:
يا أيها الرجل المرخي عمامته هذا زمانك إني قد مضى زمني
فهما يعرفان – أكثر من غيرهما – أن رواية الجمع عن الشخص لاتقتضي التعديل فضلا عن التوثيق .... أما توثيق أبي داود فقول أبي حاتم: "شيخ"؛ راد له، وابن حبان إنما ذكره في ثقاته ولم يعمل فيه توثيقا. وتوثيق ابن قانع معارض بماقاله ابن القطان الفاسي: لم تثبت عدالته، وقال الذهبي: شيخ.
عالجتما بحرا ولكن سادتي ماهكذا يتحرر التقريب "
أقول: إذا كان المتنبي قد قال:
وماذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا
فأنا بسام العطاوي أقول:
وفي كَشفِ فحلٍ من المضحكاتْ ولكنه ضحك كالبكا
فما أكثرَ الوهمَ فيه وقد أقامَ التجني مقام الذكا
أهكذا يكون الحكم على الرواة؟ أيرد توثيق أبي داود بلفظة "شيخ" من أبي حاتم؟ أيرد توثيق أبي داود وابن قانع وابن حبان بتجهيل ابن القطان الفاسي؟!
والعجيب أن كل مارد به الدكتور ماهر توثيق الموثقين قد نقضه بنفسه في هذه الترجمة وفي غيرها.
¥