لاَهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا.
وَوَالِدًا كُنْتَ وَكُنَّا وَلَدًا ... إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا.
وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكَّدَا ... وَجَعَلُوا لِي بِكَدَاءٍ رُصَّدَا.
وَزَعَمْتْ أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدًا
... فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا.
وَهُمْ أَتَوْنَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدًا ... نَتْلُو الْقُرْآنَ رُكَّعًا وَسُجَّدًا.
ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدًا ... فَانْصُرْ رَسُولَ اللهِ نَصْرًا أَعْتَدَا.
وَابْعَثْ جُنُودَ اللهِ تَأْتِي مَدَدًا ... فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَأْتِي مُزْبِدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا.
قالَ حَمَّادٌ: هَذَا الشِّعْرُ بَعْضُهُ عَنْ أَيُّوبَ، وَبَعْضُهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ، وَأَكْثَرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أسْحَاقَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ.
قَالَ: قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
أَتَانِي وَلَمْ أَشْهَدْ بِبَطْحَاءِ مَكَّة ... رِجَالُ بَنِي كَعْبٍ تُحَزَّ رِقَابُهَا.
وَصَفْوَانُ عُودٌ حُزَّ مِنْ وَدَقٍ اسْتِهِ
... فَذَاكَ أَوَانُ الْحَرْبِ شُدَّ عِصَابُهَا.
فَلاَ تَجْزَعَنْ يَابْنَ أَمِّ مُجَالِدٍ ... فَقَدْ صَرَّحَتْ صِرْفًا وأََعَصل نَابهَا.
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَنَالَنَّ مَرَّةً ... سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو حَوْبَهَا وَعِقَابَهَا.
قالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلُوا، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا مَرًّا، قَالَ: وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى نَزَلَ مَرًّا لَيْلاً، قَالَ: فَرَأَى الْعَسْكَرَ وَالنِّيرَانَ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ؟ فَقِيلَ: هَذِهِ تَمِيمٌ، مَحَّلَتْ بِلاَدَهَا فَانْتَجَعَتْ بِلاَدَكُمْ، قَالَ: وَاللهِ، لَهَؤُلاَءِ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ مِنًى، أَوْ قَالَ: مِثُلُ أَهْلِ مِنًى، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: دُلُّونِي عَلَى الْعَبَّاسِ، فَأَتَى الْعَبَّاسَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِاللاَتِ وَالْعُزَّى؟.
قَالَ أَيُّوبُ: فَحَدَّثَنِي أَبُو الْخَلِيلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْقُبَّةِ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ: إِخْرَ عَلَيْهَا، أَمَّا وَاللهِ أَنْ لَوْ كُنْت خَارِجًا مِنَ الْقُبَّةِ مَا قُلْتهَا أَبَدًا.
قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ.
فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، وَذَهَبَ بِهِ الْعَبَّاسُ إلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارَ النَّاسُ لِطَهُورِهِمْ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، مَا لِلنَّاسِ؟ أُمِرُوا بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُمْ قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: فَأَمَرَهُ الْعَبَّاسُ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ كَبَّرَ، فَكَبَّرَ النَّاسُ، ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعُوا، ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعُوا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ طَاعَةَ قَوْمٍ جَمَعَهُمْ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَلاَ فَارِسَ الأَكارِمَ، وَلاَ الرُّومَ ذَاتَ الْقُرُونِ، بِأَطْوَعَ مِنْهُمْ لَهُ. قَالَ حَمَّادٌ: وَزَعَمَ يَزِيدُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، أَصْبَحَ ابْنُ أَخِيك وَاللهِ عَظِيمَ الْمُلْكِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِمُلْكٍ وَلَكِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ: أَوْ ذَاكَ، أَوْ ذَاكَ.
¥