تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تعريف علم العلل، وقضايا أخرى تتعلق به مما يخص مقدمات العلوم]

ـ[ماهر]ــــــــ[01 - 09 - 08, 09:15 ص]ـ

تعريف علم العلل:

هو عِلم برأسه، وهو أَجَلُّ أنواع علم الحديث وأدَقُّها، وأما أصحابه فهم جهابذة الفن في الحفظ والإتقان، وأما أدواته فهي قواعد تُكشف بها الأسباب الخفية القادحة. وهو صاحب القول الفصل في قبول الحديث ورفضه، حتى إنَّه لا يسلم كبار الحفاظ من نقده، ولا يتكلم فيه إلا المتقنون لسائر علوم الحديث، وأساسه التمرس والتجربة العملية الطويلة.

أهمية علم العلل:

إذا كان كل علم يشرف بمدى نفعه، فإنَّ علم علل الحديث يعد من أشرف العلوم؛ لأنَّه من أكثرها نفعاً، فهو نوع من أَجَلِّ أنواع علم الحديث، وفن من أهم فنونه، قال الخطيب: ((معرفة العلل أَجَلُّ أنواع علم الحديث)) (1)، ورحم الله الإمام النووي حيث قال: ((ومن أهم أنواع العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبويات، أعني: معرفة متونها: صحيحها و حسنها و ضعيفها، متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلها، ومقلوبها، ومشهورها وغريبها وعزيزها، ومتواترها وآحادها وأفرادها، معروفها وشاذها ومنكرها، ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها ... )) (2).

فعلماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموماً؛ لأنَّه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، و قد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص؛ لأنَّ بمعرفة العلل يعرف كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من غيره، وصحيح الحديث من ضعيفه، وصوابه من خطئه، قيل لعبد الله بن المبارك (3): هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: ((تعيش لها الجهابذة)) (4).

وقد ذكر الحاكم: ((أنَّ معرفة علل الحديث من أجَلِّ هذه العلوم)) (5) وقال: ((معرفة علل الحديث، وهو علم برأسه غير الصحيح و السقيم، والجرح والتعديل)) (6).

وعلم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على أيدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، حيث كان أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما يحتاطان (7) في قبول الأخبار، ويطلبان الشهادة على الحديث أحياناً؛ من أجل تمييز الخطأ والوهم في الحديث النبوي، ثم اهتم العلماء به من بعد؛ لئلا ينسب إلى السنة المطهرة شيء ليس منها خطأ. فعلم العلل له مزية خاصة، فهو كالميزان لبيان الخطأ من الصواب، والصحيح من المعوج، وقد اعتنى به أهل العلم قديماً وحديثاً، ولا يزال الباحثون يحققون وينشرون تلكم الثروة العظيمة التي دَوَّنَها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي ابن المديني، و أحمد، و البخاري، و الترمذي، و ابن أبي حاتم، والدارقطني، وغيرهم (8).

وما ذلك إلا لأهمية هذا الفن فـ ((التعليل (9) أمر خفي، لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون الفقهاء الذين لا اطلاع لهم على طرقه وخفاياها)) (10). ولأهميته أيضاً نجد بعض جهابذة العلماء يصرّح بأنَّ معرفة العلل والبحث عنها، مقدم على مجرد الرواية دون سبر ولا تمحيص، يقول عبد الرحمان بن مهدي: ((لأَنْ أعرف علة حديث هو عندي، أحب إليَّ من أنْ أكتب حديثاً ليس عندي)) (11).

ويزيد هذا العلم أهمية أنَّه من أشد العلوم غموضاً، فلا يدركه إلا من رُزِقَ سعة الرواية، وكان مع ذلك حاد الذهن، ثاقب الفهم، دقيق النظر، واسع المران، قال الحاكم: ((إنَّ الصحيح لا يعرف بروايته فقط، وإنَّما يُعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة، ليظهر ما يخفى من علة الحديث، فإذا وُجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرّجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم رضي الله عنهما، لزم صاحب الحديث التنقير عن علته، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علّته)) (12).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير