الثانية: أن لا يكون عنده جواب لهذا الإشكال، ولا يعلم بالأدلة التي أوردت عليه، فلا يجوز له حينئذ أن يخلص نفسه من هذا المأزق بالكذب، أو بنفي ما لا يعلم مع احتمال ثبوته، ولا يحل له أن يصر على رأيه وهو غير متأكد مما أورد عليه.
مثال ذلك: لو تحدث الخطيب عن فوائد الأمراض وما يحصل فيها من الأجر والثواب، وساق الآيات والأحاديث في فضل الصبر على المصائب، ثم أورد ما جاء في المسند وغيره من أن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قد دعا على نفسه بالحمى، فلازمته حتى إن حرها ليوجد من وراء اللحاف، واستشهد الخطيب بفعل أبي رضي الله عنه على جواز أن يدعو الإنسان على نفسه بالمرض ابتغاء الأجر، ولا سيما أن أبيا رضي الله عنه من فقهاء الصحابة وعلمائهم.
ثم أورد معترض على الخطيب الأحاديث التي فيها الأمر بسؤال الله تعالى العفو والعافية، والأخرى التي فيها النهي عن الدعاء على الأنفس أو الأولاد أو الأموال، وذكر قصة الرجل الذي دعا على نفسه فزاره النبي صلى الله عليه وسلم وقد أكله المرض، فأنكر عليه الصلاة والسلام عليه دعاءه على نفسه، وقصته مخرجة في صحيح مسلم.
ولا شك في أن الخطيب في مثل هذه الحالة مخطئ، ولا يحل له المكابرة والإصرار على الخطأ، وفعل أبي رضي الله عنه اجتهاد منه يؤجر عليه إن شاء الله تعالى، ولكن لا يقضى باجتهاده رضي الله عنه على النصوص الصحيحة الصريحة في هذا الباب، ولا يوافق عليه بحجة أنه من علماء الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنه وإن كان كذلك فهو غير معصوم من الخطأ، وقد تخفى عليه بعض النصوص، ولا عصمة إلا للرسل عليهم السلام.
والواجب الشرعي، ثم الشجاعة الأدبية يقضيان على الخطيب بأن يراجع الحق، ويعترف بخطئه، وأن يشكر من تعقبه فيه، وبينه له، وأن يسعى إلى تصحيحه في خطبة تالية سواء صرح بخطئه، وذكر لهم أنه راجع عنه، وهذا أحسن.
فإن عجز عن ذلك قرر الصواب الذي يعارض ما قرره من خطأ سابقا، ويؤكد عليه مستشهدا بما علمه من أدلة كان من قبل يجهلها، فإن نوقش عقب الصلاة بقوله السابق بين أنه اخطأ فيه، وأنه صححه في هذه الجمعة.
وقد يظن بعض الخطباء أن مثل هذا الاعتراف يقلل من ثقة المصلين في الخطيب، وهذا ظن خاطئ، بل الاعتراف بالخطأ يزيد من طمأنينة المصلين وثقتهم في خطيبهم؛ لأنهم سيتيقنون أو يغلب على ظنهم أن ما لم يعتذر خطيبهم عنه فهو صحيح، فهو قد عودهم على الاعتذار مما يخطئ فيه.
وقد بينت في مقال سابق أنواع المناقشين للخطيب، وكيفية التعامل مع كل نوع منهم. ([14] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn14))
[/URL]([1] أود التنبيه على أمرين:
الأول: أن هذه المقالة وما قبلها وما سيتلوها في هذا الباب لا تختص بالخطيب وحده، وإن خوطب بها، بل يشترك معه الداعية والمحاضر والواعظ، وكل من تصدى لدعوة الناس، وأراد تحضير موضوع من الموضوعات لخطبته أو محاضرته أو موعظته أو بحثه أو مقالته.
الثاني: أنني ما جمعت مادة هذه المقالات من كتب متخصصة في الخطابة والدعوة وغيرها؛ لأنني لم أجد فيها ما أريد، وعليه فلا مراجع عندي لهذا الموضوع، ولا الذي قبله ولا ما يليه في هذا الباب، وإنما هي تجارب وممارسات خلال السنوات الماضية أردت أن أكتبها لإخواني، فالنقص والزلل محتمل فيها، والله الموفق.
[ URL="http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref2"][2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref1) رواه أبو داود:4607 والترمذي وقال: حسن صحيح:2676 وابن ماجه:42 والدارمي:95
[3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref3) رواه أبو داود (4604) وأحمد 4/ 130
[4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref4) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص142
[5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref5) الحلية لأبي نعيم9/ 106.
[6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref6) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص142
[7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref7) انظر استدلال الخطيب بالقرآن، منشور في الملتقى صفحة القرآن وعلومه
[8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref8) المصدر السابق.
[9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref9) سير أعلام النبلاء 18/ 280وطبقات الحفاظ للسيوطي 1/ 435
[10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref10) انظر على سبيل المثال هذه الأحاديث في الترمذي: فحديث رقم (128) نقل فيه تصحيح أحمد والبخاري لحديث حمنة بنت جحش فيما تفعل المستحاضة وحديث (614) نقل فيه استغراب البخاري لحديث كعب ابن عجرة رضي الله عنه في الأمراء، وحديث (620) نقل فيه تصحيح البخاري لحديث في الصدقة عن علي رضي الله عنه وانظر أيضا: (644 و683 و758 و1016 و1177 و1178 و1461 و1366 و1776 و1841 و2697).
[11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref11) انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم ص146 وفتح المغيث 3/ 74
[12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref12) التمييز، ص187
[13] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref13) السنن الكبرى (7695)
[14] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftnref14) انظر: استدلال الخطيب بالقرآن، منشور في الملتقى
¥