تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا ينبغي أن يكون حبنا واحترامنا وتقديرنا لشخص ما بهذه الدرجة التي تعمي قلوبنا وتحجبها عن إدراك الحقيقة والصواب، بل يجب أن يكون ذلك في حدود رسمها لنا القرآن الكريم من العدل والإنصاف والحق. وإن كنا لا نسوغ ذلك التعصب والمبالغة في حق الأئمة السابقين الذين هم أكثر علما وعملا وتقوى منا فإن عدم جواز ذلك في حق المعاصرين أولى وأجدر.

زارني في البيت في الصيف الماضي بعض الإخوة وكان من بينهم شاب لا أعرفه، ولفتت انتباهي طبيعة هذا الشاب من بينهم منذ أن دخل معهم في المجلس، وكان عابس الوجه، ولما رأيته غير مبتسم ألح سؤالا في نفسي وهو: لماذا لا أرى هذا الشاب مبتسما في وجهي بخلاف الآخرين.

واستمر هذا السؤال في نفسي لمدة أيام إلى أن جاءني الخبر بأن الشاب يصفني في بعض المواقع بما يأتي:

هذا الهندي المليباري الجاهل لا يعرف حتى اللغة العربية ولا قراءة القرآن الكريم، ولا أدري لماذا يلتف حوله الشباب.

ففهمت أن الشاب كان يكرهني وكان يخبئ ذلك في نفسه لسبب ما، قد يكون – والله أعلم - اهتمامي بتفضيل نقاد الحديث وتقديمهم على الشيخ الألباني وغيره من المعاصرين والمتأخرين، ثم ازداد هو كراهية لما أجبته في ذلك المجلس عن سؤال يتصل بالشيخ الألباني بما لم يعجبه.

ومن المناسبة أن أنقل لك ما جرى بيني وبين هذا الشاب في ذلك المجلس حسب ما يحضرني الآن؛ بعد ترحيبي بالإخوة الضيوف الكرام، خاصة الأخ الفاضل المحترم الشيخ أبو الحسن المأربي الذي تميز بتواضعه وأدبه وعلمه، بدأت الحديث بلفت الانتباه إلى ضرورة التمييز بين المصادر الأصيلة لعلوم الحديث وبين مصاردها المساعدة، وشأن ذلك شأن العلوم كلها، وذكرت التشريع الإسلامي مثالا لذلك، فإنه لا يختلف أحد في أن القرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الأصيلان للتشريع الإسلامي، وأما الأئمة وآراؤهم ومذاهبهم وكتبهم فتشكل فقط مصادره المساعدة، كما أنه لا يختلف أحد في خطورة التلفيق بين الأصيل والمساعد فيما يخص التشريع الإسلامي، أو إحلال أحدهما مكان الآخر. وكذلك بالنسبة إلى علوم الحديث وغيرها من سائر العلوم، إذن لا بد من التركيز على هذا الجانب الأساس عند دراسة علوم الحديث أو البحث فيها.

وأيدني الشيخ أبو الحسن بصفة عامة. وسألني ذلك الشاب:

هل الشيخ الألباني مؤهل للتصحيح والتضعيف؟

قلت: يا أخي لا يهمني أن أعرف أن فلانا مؤهل للتصحيح أو غير مؤهل، وإنما يهمني فقط العمل الذي يقوم به، هل هو وفق منهج المحدثين النقاد في ذلك أولا، فما ينسجم معه فذلك المقبول، وما لا يكون كذلك فمرفوض، كائنا من كان، دون تعرض للطعن فيه، وبذلك نستطيع تقييم الباحثين، أما كونهم مؤهلين لذلك أو غير مؤهلين فليس لدي وقت للنظر فيه، ولا أرى في ذلك كبير فائدة.

فقال لي: هل الحافظ ضياء الدين المقدسي مؤهل والحافظ ابن حجر مؤهل؟

فوجئت بإلحاحه علي في هذا السؤال؟

قلت له: ما الفائدة من معرفة ذلك؟

فقال لي: إذا كان مؤهلا نسوغ له مخالفة النقاد، وإلا لا نسمح له بذلك.

قلت له: الأمر لا يتوقف على ما تصدره أنت من الفتوى والحكم، وإنما الذي يهمنا هو من يفهم لغة المحدثين ويوافقهم وينتهج منهجهم في التصحيح والتضعيف.

فسألني الشاب: إسناد يكون مثل الشمس ضعفه الإمام البزار وصححه أحد المتأخرين، وماذا تقول عنه؟

قلت له: الجواب يتوقف على دراسة هذا السند.

وأنت تقول إسناد مثل الشمس، وذلك نظرا لظاهر حاله، لكنه في الواقع قد لا يكون كذلك عند النقاد لشذوذه وغرابته، بل إن الإسناد إذا كان مثل الشمس حقيقة فمن المستحيل عرفا أن يخفى ذلك على النقاد أو أحدهم، ومع ذلك فإذا ضعفه إمام من الأئمة فذلك دليل واضح على أن الإسناد فيه شيئا ينبغي البحث عن علته. وهذا الإمام الحاكم يقول:

’’إذا وجدت حديثا صحيح الإسناد ولم يخرجه الشيخان فعليك بالبحث عن علته‘‘، وكيف يكون ذلك إذا ضعفه أحد النقاد!

إذا كنا نحن قد وقفنا على نصاعة السند وأنه مثل الشمس فإن ذلك لن يكون بعبقريتنا في نقد الحديث، وإنما بشدة غرورنا بظاهره، ثم إن الإسناد الذي لم يعرفه المتقدمون ولم يشتهر لديهم ثم اشتهر في رواية المتأخرين فلا يمكن إلا أن يكون وهما وخطأ وإن كنت تعده كالشمس. ثم استدللت له بقول الحافظ البيهقي، وأيدني في ذلك الشيخ أبو الحسن المأربي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير