تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

’’إسناده صحيح ‘‘، وما قيمة تصحيح هذا الباحث المعاصر الذي لا يتجاوز نظره ظاهر الإسناد وأحوال الرواة، في مقابل قول النقاد إن الحديث صحيح وسليم من شذوذ وعلة؟ أيهما أتم وأدق: تصحيح الباحث أو تصحيح النقاد؟ وهل يحتاج القارئ بعد تصحيح النقاد إلى المعاصر الذي يعبر عن ظاهر السند؟ وهل أتى بشئ جديد يزيد تصحيح الناقد قوة؟ وإذا أجاب أحد منا بنعم فهو عامي متعصب، ينبغي أن نقرأ فيه قوله تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).

ولو صحح المعاصر على منهج المحدثين النقاد لزاد الحديث الصحيح الذي صححه النقاد قوة بعد قوة، كما عمل الحافظ البغوي في كتابه شرح السنة، إذ يقول (حديث صحيح)، وكما زاد الصحيحين قوة بعد قوة تتبع الإمام الدارقطني وغيره.

والإنسان الذي لا تتوفر لديه من الخلفية العلمية في مجال ما يكون عاجزا عن معرفة حقائقه ودقائق أموره، بل يضطر إلى اعتماد ظواهر الأمور، وقد يشتد غروره بها بحيث يندفع إلى المغامرة إذا كان معاندا، لكن لا يقف على حقيقة فعله ولا يندم على حماقته التي قد تكون قاتلة إلا إذا وقع في المخاطر.

وهذه أمور مجربة في حياتنا اليومية، ومن يخالف هذا المألوف فشاذ خطير معاند.

وأنا لا أرى شخصا مؤهلا لنقد الحديث إلا إذا كان عنده خلفية علمية واضحة حول أحاديث الحفاظ الذين يشكلون مدار الروايات، بحيث إذا انقلب على أحد من الرواة حديث هذا الحافظ بحديث ذاك، أو وقع التلفيق بين حديثين ولو بوجه بسيط، يعلم ذلك دون عناء، ويرجعه إلى أصله.

وإذا تأملنا في سيرة المحدثين النقاد المبثوثة في تضاعيف كتب التراجم، وجدناهم يحفظون الأحاديث مثل ما يحفظون سور القرآن الكريم. فيحفظون الأحاديث مقيدة براويها المدار، فمثلا: ما رواه مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ويحصون أحاديثه عددا، وكم أحاديثه في باب كذا. وبذلك لم يستطع أحد من قبل أن يدس فيها ما لم يحدث به مالك ولو كلمة صغيرة إلا وقد اكتشف ذلك من قبل الناقد.

وللحفاظ النقاد وسائل عدة في إحصاء الأحاديث حسب رواتها الذين تدور عليهم رواياتها؛ كتتبعهم للأصول التي يملكها بعض الحفاظ أو ما يتداوله الثقات، أو المذاكرة مع الحفاظ المعاصرين لا سيما مع أثبتهم وأحفظهم، وتعد المذاكرة أكثر الوسائل شهرة لدى الحفاظ في هذا المجال.

وكذا ما رواه مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وما رواه الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وعن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهكذا ما يتصل بأصحاب الزهري، ممن يشكل مدارا رئيسا في الحديث.

وآثار هذا الإحصاء، ونتائجه تزخر لها كتب التراجم والعلل، وبذلك استطاعوا الجزم بأن فلانا تفرد، وهذا الحديث إنما يروى هكذا، أو هذا مقلوب، وغير ذلك من العبارات التي لا تصدر منهم إلا بضبط الأحاديث وإحصائها على الطريقة السابقة.

وبهذا الحفظ والاستيعاب والضبط والإحصاء يكون بعضهم أدرى وأكثر تخصصا في أحاديث بعض الحفاظ، ويقال فلان أعلم الناس بأحاديث فلان، ويقول قتادة: أحفظ أحاديث فلان مثل ما أحفظ سورة البقرة.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق إلا اتكالا على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم.

ورد عن إسرائيل قوله: ’’ كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ سورة الحمد‘‘

وأنا لا أظن أن هذه الحقائق لا تخفى على المشتغلين بالتراجم.

(انظر فقط كتاب معرفة علوم الحديث ص: 140 – 146، وص: 164 – 165، لتعرف أسلوبهم في حفظ الأحاديث وتركيزهم عليه في المذاكرة) بالله عليك أرني واحدا فقط من المعاصرين يحفظ الأحاديث مثل ما يحفظ النقاد، أو يحفظ أحاديث أحد الرواة المشهورين فقط، ويفهم ملابسات الرواية مثل ما يفهمون، ويعرفون الواقع في تلك الأحاديث مثل ما يعرفون.

ومن يستطيع اليوم أن يقول: للزهري عن فلان من الأحاديث كذا؟ ولمالك عن نافع أحاديث كذا، ولشعبة عن قتادة عن أنس مما لم يسمعه ابن أبي عروبة أو هشام الدستوائي كذا، وفي باب كذا أحاديث كذا؟.

إذن أقول لك هو مؤهل للاجتهاد في التصحيح والتضعيف.

ونتذكر ما قاله الحافظ الذهبي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير