وقال في (8/ 357 - 358): كل واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط والكذب فإذا انتهى المخبرون إلى حد التواتر امتنع عليهم الكذب والغلط، وكل واحد من اللُّقَم والجُزَع والأقداح لا يشبع ولا يروي ولا يسكر، فإذا اجتمع من ذلك عدد كثير أشبع وأروى وأسكر، وكل واحد من الناس لا يقدر على قتال العدو، فإذا اجتمع طائفة كثيرة قدروا على القتال، فالكثرة تؤثر في زيادة القوة وزيادة العلم وغيرهما.
ولهذا قد يخطئ الواحد والاثنان في مسائل الحساب، فإذا كثر العدد امتنع ذلك فيما لم يكن يمتنع في حال الانفراد، ونحن نعلم بالاضطرار أن علم الاثنين أكثر من أعلم أحدهما إذا انفرد، وقوتهما أكثر من قوته، فلا يلزم من وقوع الخطأ حال الانفراد وقوعه حال الكثرة. قال تعالى: ((أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)) (البقرة: 282).
والناس في الحساب قد يخطئ الواحد منهم ولا تخطئ الجماعة؛ كالهلال فقد يظن الواحد هلالاً وليس كذلك فأما العدد الكثير فلا يتصور فيهم الغلط .. إلخ كلاه رحمه الله.
وقال في (8/ 433) من منهاج السنة: قد علم بالتواتر المعنوي أن أبا بكر كان محباً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، مؤمناً به، من أعظم الخلق اختصاصاً به، أعظم مما تواتر من شجاعة عنترة ومن سخاء حاتم ومن موالاة علي ومحبته له ونحو ذلك من التواترات المعنوية التي اتفق فيها الأخبار الكثيرة على مقصود واحد.
وقال في مجموع الفتاوى (18/ 40).
وأما المتواتر فالصواب الذي عليه الجمهور: أن المتواتر ليس له عدد محصور، بل إذا حصل العلم عن إخبار المخبرين كان الخبر متواتراً، وكذلك الذي عليه الجمهور أن العلم يختلف باختلاف حال المخبرين به، فرب عدد قليل أفاد خبرهم بالعلم بما يوجب صدقهم، وأضعافهم لا يفيد خبرهم العلم، ولهذا كان الصحيح أن خبر الواحد قد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن تفيد العلم.
وعلى هذا فكثير من متون الصحيحين متواتر اللفظ عند أهل العلم بالحديث وإن لم يعرف غيرهم أنه متواتر، ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علماً قطعياً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله.
وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالإسفرائيني وابن فورك فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن، لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تقليه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد، فإن ذلك الحكم يصير قطعياً عند الجمهور وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي، لأن الإجماع معصوم، فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يجمعون على تحليل حرام ولا تحريم حلال، كذلك أهل العلم بالحديث لا يجمعون على التصديق بكذب ولا التكذيب بصدق، وتارة يكون علم أحدهم لقرائن تحتف بالأخبار توجب لهم العلم، ومن علم ما علموه حصل له من العلم ما حصل لهم. اهـ.
وقال رحمه الله في رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ضمن مجموع الفتاوى 20/ 257 - 258): ثم هي – يعني الأحاديث – منقسمة إلى: ما دلالته قطعية بأن يكون قطعي السند والمتن وهو ما تيقنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله وتيقنا أنه أراد به تلك الصورة، وإلى ما دلالته ظاهرة غير قطية.
فأما الأول فيجب اعتقاد موجبه علماً وعملاً وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء في الجملة.
وإنما يختلفون في بعض الأخبار هل هو قطعي السند أو ليس بقطعي؟ وهل هو قطعي الدلالة أو ليس بقطعي؟
مثل اختلافهم في خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول والتصديق أو الذي اتفقت على العمل به فعند عامة الفقهاء وأكثر المتكلمين أنه يفيد العلم، وذهب طوائف من المتكلمين إلى أنه لا يفيده.
وكذلك الخبر المروي من عدة جهات يصدق بعضها بعضاً من أناس مخصوصين قد تفيد العلم اليقيني لمن كان عالماً بتلك الجهات وبحال أولئك المخبرين وبقرائن وضمائم تحتف بالخبر وإن العلم بذلك الخبر لا يحصل لمن لا يشركه في ذلك.
¥