’’ ... ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل لكن هم أكثر الناس صوابا وأندرهم خطأ وأشدهم إنصافا وأبعدهم عن التحامل وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح فتمسك به واعضض عليه بناجذيك ولا تتجاوزه فتندم ومن شذ منهم فلا عبرة به فخل عنك العناء وأعط القوس باريها فوالله لولا الحفاظ الأكابر لخطبت الزنادقة على المنابر ولئن خطب خاطب من أهل البدع فإنما هو بسيف الاسلام وبلسان الشريعة وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فنعوذ بالله من الخذلان‘‘.
وقال في تذكرة الحفاظ وهو ينصح طلبة الحديث:
’’ ... ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكى نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب، والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل:
فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو سودت وجهك بالمداد
قال الله تعالى عز وجل (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)
فإن آنست يا هذا من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا وإلا فلا تتعنَّ، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأى ولمذهب فبالله لا تتعب، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك، فبعد قليل ينكشف البهرج وينكُب الزغل، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فقد نصحتك فعلم الحديث صَلِف، فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب‘‘.
وقال في موضع آخر من تذكرة الحفاظ:
’’فلقد تفانى أصحاب الحديث وتلاشوا، وتبدل الناس بطلبة يهزأ بها أعداء الحديث والسنة، ويسخرون منهم‘‘.
وقال في سير أعلام النبلاء:
’’وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة، فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن أعوزك المقال: من أحمد؟ وما ابن المديني؟ ولا يفقهون الرأي .. إلى أن قال: وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل، فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه. ومن تكلم بالجاه وبالجهل أو بالشر والبأو فأعرض عنه، وذره في غيه، فعقباه إلى وبال. نسأل الله العفو والسلامة ‘‘.
وقال أيضا: فقد عم البلاء، وشملت الغفلة، ودخل الدخل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون، فلا عتب على الفقهاء وأهل الكلام.
وأين من قال ’’ لو درس أبو حاتم وغيره من الأئمة حتى البخاري لما تجاوزوا النتائج التي توصلت إليها .. ‘‘؟
وأين الذي يردد في كل مناسبة يمر بها: ’’كم ترك الأول للآخر ‘‘؟ وفي الواقع أن كل ما نستطيع معرفته اليوم إنما هو عن طريق التخريج من الكتب المتوفرة لدينا. وإذا حفظ منها الأحاديث فإنما يحفظونها وهي خليطة بين ما ثبت وبين ما لم يثبت، بخلاف النقاد فإنهم يحفظونها من الأصول أو من خلال المذاكرة مع الحفاظ مميزا بين الصواب والخطأ.
ولا يمكن معرفة مصدر الحديث وصاحبه الحقيقي حين قلبه الراوي وهما، إلا إذا استوعب أحاديث شيخه، والإسناد الذي يروى به ذلك الحديث.
انظر إلى العقيلي كيف صدر منه قوله فيما يخص حديث خالد بن عمرو:
’’ ليس له أصل من حديث سفيان الثوري، وقد تابعه محمد بن كثير الصنعاني، ولعله أخذه عنه ودلسه لأن المشهور به خالد هذا ‘‘ ويقول الإمام أحمد: ’’كل شيئ يرويه ابن فضيل عن عمارة إلا هذا الحديث يعني أنه رواه عن أبيه عن عمارة، وبقية الأحاديث يرويها ابن فضيل عن عمارة ‘‘ وقد قال ابن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم.
وعن عبد الرحمن بن مهدي: كنت عند أبي عوانة فحدث بحديث عن الأعمش فقلت: ليس هذا من حديثك. قال: بلى! قلت: لا. قال: يا سلامة، هات الدرج فأخرجت، فنظرت فيه فإذا ليس الحديث فيه. فقال: صدقت، يا أبا سعيد، فمن أين أتيت؟ قلت: ذوكرت به، وأنت شاب، فظننت أنك سمعته.
¥