الطائفة الثالثة: ذهبت إلى أن المرسل حجة يعمل به , ولكن دون المسند , كالشهود يتفاوتون فى الفضل و المعرفة وإ، اشتركا فى العدالة , وممن كان يقول بهذا الرأى أبو عبدالله محمد بن خويز منداد المالكى.
ثانيا: المرسل حجة بشرط أن يكون المرسل مشهور المذهب فى الجرح و التعديل وهو الذى صوّبه أبو العباس القرطبى و اختاره أبو عمرو بن الحاجب.
ثالثا: الرد مطلقا: و هو مذهب بعض أئمة المالكية كالقاضى أبى بكر الباقلانى الذى صرّح فى التقريب بأن المرسل لايقبل مطلقا , حتى مراسيل الصحابة لا لأجل الشك فى عدالتهم بل لأجل انهم قد يترددون عن التابعين – كما نقل عنه غير واحد.
و تبعه فى الرد من المالكية: إسماعيل القاضى و أبوبكر الأبهرى و ابن رشد الحفيد و ابن عبد البر حيث قال (فعلى هذا كان الناس على البحث عن الإسناد , و ما زال الناس يرسلون الأحاديث , و لكن النفس أسكن عند الإسناد و أشد طمأنينة.
الفصل السادس:
(منزلة مراسيل مالك عند العلماء)
لاقت مراسيل إمام دار الهجرة مالك بن أنس القبول والرضا من أهل العلم والمنشغلين بعلم الحديث والفقه والأصول فاطمأنت أنفسهم إليها وسكنت أرواحهم لهذه المنقولات التي عرف بها واشتهر الإمام مالك خاصة وأنهم يعرفون شدة تمحيص مالك للرجال وانتقاده لهم وحرصه على انتقاء الموثوق بهم وذكرهم في كتابه حتى قال (1): تركت جماعة من أهل المدينة ما أخذت عنهم من العلم شيئا وأنهم ممن يؤخذ منهم العلم، وكانوا أصنافا فمنهم من كان كذابا في غير علم تركته لكذبه ومنهم من كان جهلا بما عنده، فلم يكن عندي موضعا للأخذ عنه لجهله، ومنهم من كان يدين برأي سوءوحدث
ابن وهب عنه قال: قال مالك: رأيت أيوب السختياني بمكة حجتين فما كتبت عنه، ورأيته في الثالثة قاعدا في فناء زمزم، فكان إذا ذكر النبي r عنده يبكي حتى أرحمه. وقال ابن عيينة: رحم الله مالكاً ما كان أشدَّ انتقاده للرجال والعلماء.
ولا أريد أن أسهب في هذا فليس من صميم البحث
وأعود فأقول لقد صدرت من العلماء أقوال تدل على هذا التقدير والثناء.
ــــــــــــ
(1). ((منهج مالك في إثبات العقيدة صـ 31. 32. 33))
فهذا إمام الجرح والتعديل الإمام الشهير يحي بن سعيد القطان يقول: كان بعض أصحابنا يقول " مرسلات مالك إسناد ". ويقصد أنها في قوة الأحاديث المسندة وإن لم تكن مسندة حقيقة، ويقول أيضا:" مرسلات مالك صحاح ".
وسئل مرة عن مرسلات جماعة من العلماء منهم الإمام مالك فقال: "هي أحب إلي، ليس في القوم أحد أصحُّ حديثا من مالك".
وسئل إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل عن مرسلات مالك بن أنس قال:"هي أحب إلي ".
قال أبو داوود:"مراسيل مالك أ صح من مراسيل سعيد بن المسيب ومن مراسيل الحسن البصري.ومالك أصح الناس مرسلا ".
وإذا علمنا أن الشافعي اشتهر عنه رد كثير من المراسيل، إلا مراسيل سعيد بن المسيب فقد نالت رضاه؛ لأنه تتبعها فوجدها موصولة من طرق أخرى علمنا المنزلة العظيمة التي تحظى بها مراسيل مالك فإن أبا داوود فضلها على مراسيل ابن المسيب.
ويقول الإمام المتقن الجهبذ الحافظ شمس الزمان وعافية الأيام ابن عبد البر وهو من خبر مراسيل الموطأ وأخذ على نفسه وصل ما انقطع منها:"ومن اقتصر على حديث مالك رحمه الله فقد كُفِي تعب التفتيش والبحث، ووضع يده من ذلك على عروة وُثقى لا تنفصم؛ لأن مالكاً قد انتقد وانتقى، وخلص ولم يرو إلا عن ثقة حجة وسترى موقع مرسلات كتابه موضعها من الصحة والاشتهار في النقل في كتابنا إن شاء الله ".
يقصد كتابه التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد وهو قرابة العشرين مجلدا ووصل كل مراسيل الموطأ إلا أربعة وهي في الجملة واحد وستون مرسلا والأربعة وصلها ابن الصلاح وعلق عليها الغماري بتحقيق عبد الفتاح أبو غدة وهي موجودة مطبوعة.
وما عرف عن مالك من مزيد التحري والتفتيش، والبحث عن رجال الحديث هو الذي حدا بأبي عبد الرحمن النسائي إلى القول:" أمناء الله عز وجل على حديث رسوله ثلاثة: مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، ويحي بن سعيد القطان". صـ452
وقال السيوطي: (1) " ما فيه – أي الموطأ – من المراسيل مع كونها حجة عنده، ... فهي حجة عندنا لأن المرسل عندنا حجة إذا اعتضد، وما من مرسل في الموطأ إلا وله عضد أو عواضد كما سأبين
ذلك في هذا الشرح " يقصد تنوير الحوالك.
ـــــــــــــــــــــ
(1) شرح موطأ مالك. ((1\ 6)).
بل حتى أن صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله وهو أبو عبد الله البخاري صحت عنده مراسيل مالك. يشهد لذلك حديث دية الجنين إذا سُقط من بطن أمه ميتا، الذي رواه مالك مرسلا، ثم رواه البخاري مرسلا أيضا.
وقد عَلَّق الزرقاني (1) على ذلك بقوله " وهذا الحديث رواه البخاري عن قتيبة عن مالك به مرسلا. ففيه أن مراسيل مالك صحيحة عند البخاري ".
ــــــــــــــــ
(1) ((منهج الاستلال صـ450،454)).
ثم إن هناك مسألة فى غاية الأهميّة أختم بها بحثي:
قد أشار لي عليها شيخى الدكتور صهيب السّقّار-حفظه الله –
أن مالكاً من المتقدّمين و قواعد علم مصطلح الحديث لم تتقرّر قواعده ولم تحرّر ثوابته
إلاّ فى القرن الثالث فليس من المنهج العلمى الرصين أن نؤاخذ مالكا على ما فى موطّأه وعدها من قبيل الضعيف و كما أ، مراسيل سعيد بن المسيّب قد اشتهرت عند أهل العلم قاطبة بالصّحة لأن الشافعى تتبعها كلها فوجدها موصولة من طرق أخرى فنحن أيضا نقول أن مراسيل الإمام مالك قد أوصلها كلها حافظ المغرب ابن عبد البر إلا أربعة فقط فتعقّبه أمير المؤمنين الحافظ ابن الصلاح بوصلها وجاء بعدها الشيخ المحدّث الغمارى و حققها ونقّحها و جاء بعدها الشيخ المحقق عبد الفتّاح أبو غدّة و عّق عليها و هى مطبوعة اليوم.
¥