(7) جُمِعَ لفظ " التحيات " لأن الجمع أليق بمخاطبة الملوك، والله ملك الملوك سبحانه وتعالى، وليدخل في ذلك كل تحية في الوجود، فالله أولى بها سبحانه.
(8) ابتدأ بلفظ التحية قبل ذكر الصلوات فقال:" التحيات لله والصلوات " فقدم ذكر التحيات على الصلوات؛ لأن التحية تتقدم على غيرها من عبارات الثناء والتمجيد.
(9) قوله:" لله " أي الله مختص بها، ومستحق لها سبحانه، وهي تفيد وجوب إخلاص العبادة له وحده، ولهذا -والله أعلم- قدمت بعد قوله " التحيات " فقال:" لله " ثم عطف عليها غيرها من "الصلوات والطيبات" فَسِرُ هذا التقديم يكمن في وجوب الإخلاص وأهميته.
(10) قوله:" والصلوات " تحتمل:
أ ـ الصلوات المفروضة، وذلك لأن الألف واللام للعهد.
ب ـ وتحتمل الصلوات عموما المفروضة والنافلة، لأن اللفظ عام.
ج ـ وتحتمل الأدعية، لأن الصلاة في اللغة بمعنى الدعاء.
د ـ وتحتمل سائر الطاعات باعتبار أنها صلة بين العبد وربه، والذي يظهر أن هذا بُعيد.
والأمور الثلاثة الأولى وإن كانت محتملة إلا أن أولاها في نظري أن المراد بها الأدعية، ويدخل في ذلك الصلوات، سواء المفروضة والنافلة فهي مليئة بالأدعية، وموطن من مواطنها.
(11) يدل قوله:" والصلوات " أن صلوات العبد سواء أدعيته أو صلاته الفعلية لا تصرف إلا لله سبحانه، فمن دعا غير الله فقد أشرك، كما أن من صلى لغير الله فقد كفر، ففي العبارة " والصلوات لله " ما يزيد التوحيد ويثبته.
(12) قوله:" والطيبات " وإن كان فيها أقوال إلا أن الظاهر والله أعلم أن تبقى على عمومها، فتشمل كل طيب من الأقوال والأفعال، فالله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، ومن عمل عملاً أشرك فيه مع الله تركه الله وشركه، ومن أسمائه الطيب، وقال في كتابه " إليه يصعد الكلم الطيب ".
(13) قوله:" والطيبات " تَردُ على كل من وصف الله بوصفٍ لا يليق بالله؛ لأنه ليس من طيب الأقوال، وتَمحق كل عمل يُراد به غيرُ الله؛ لأنه ليس من طيب الأفعال، فليتأمل الإنسان أقواله وأفعاله من حيث طيبها وعدمه.
(14) هذه الألفاظ تربي الإنسان على الإخلاص لله، وتعظيمه، فإن من تأمل ألفاظ هذا الدعاء وجدها تصرف العبادة والثناء لله وحده إعلاما بهذا الأصل.
(15) يدل الحديث على أن الثناء والكلام الطيب من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها الإنسان، ولهذا قال:" والطيبات " يعني أنها لله أيضا، وهذا توسيع لدائرة العبادة لله، فكما أن الصلوات من العبادة فكذلك الطيبات من الأقوال والأفعال أيضا عبادة كما أفاده الحديث.
(16) قوله:" والصلوات " بالواو في لفظ الحديث وهي تحتمل:
أ ـ واو عاطفة، فتعطف الصلوات على التحيات، فالصلوات أيضا لله سبحانه، كما أن التحيات لله.
ب ـ ويُحتمل أن الواو استئنافية، وعلى هذا فالصلوات مبتدأ والخبر محذوف، وتكون بهذا جملة مستقلة جديدة تؤسس معنى جديدا من التعظيم لله.
(17) قوله:" والطيبات " بالواو أيضا ويقال فيها كما سبق في واو " الصلوات "، وفي رواية "الطيبات" بدون الواو، إلا أن دخول الواو على الطيبات يؤكد معنى الإخلاص لله في ذلك أكثر من خلوها عنها، وهذا من أسرار ألفاظ الشريعة، فالحمد لله على شرعه.
(18) في الحديث ذكر العام بعد الخاص، فالتحيات والصلوات داخلة في مسمى الطيبات، ومع ذلك أفردت الطيبات باللفظ، وهو أسلوب عربي.
(19) قوله في التحيات:" والسلام " قال الحافظ ابن حجر: " لم يقع شيء في روايات حديث ابن مسعود رضي الله عنه بحذف اللام – سلام- وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم ".
(20) قوله:" والسلام " بالألف واللام تحتمل أمورًا:
أ ـ لام العهد: أي السلام المعهود على الأنبياء يكون على النبي صلى الله عليه وسلم.
ب ـ لام الجنس: أي جنس السلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى رواية ابن عباس رضي الله عنهما بالتنكير " سلام عليك أيها النبي " فيكون التنكير للتعظيم، وهو أهلٌ صلى الله عليه وسلم للتعظيم اللائق به.
(21) قال الطيبي:" أصل سلام عليك، سلَّمت سلاماً عليك، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره" فيكون السلام على النبي على هذا ثابتاً مستقراً لا ينقصه جحد جاحدٍ، ولا يضره إعراض معرض.
¥