والذي يظهر لي - والله أعلم وأحكم – أن المصلي في بداية صلاته استفتح على ربه، فقال دعاء الاستفتاح، ثم خاطب ربه بالفاتحة وقراءة القرآن والذكر والتسبيح والتمجيد له، ثم جلس بين يديه يثني عليه ويحييه بأعظم التحايا ليسأل ربه، فإن المصلي الآن سيطلب من ربه السلامة له ولإخوانه، فناسب التحيات في هذا الموضع؛ لأنها تحية لأجل ما يطلبه من ربه، فهي تحية بين يدي طلب.
(53) تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لهم كما يعلمهم السورة من القرآن، وتعليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر دليل على أن التشهد يقال سرًّا، فلو كان يجهر به لتعلمه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته، قال ابن عبد البر:" وإخفاء التشهد سنة عند جميعهم، والإعلان به جهل وبدعة " أ.هـ
(54) تعليم عمر رضي الله عنه على المنبر دليل على أن سنته متبعة، وأن ذلك معروف بينهم، وإلا فهو لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يعترضوا عليه في ذلك.
(55) قوله في تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" الزاكيات لله " وهي الأعمال الزاكية، يدل على أن الأعمال منها: الزكي، وغير الزكي الذي لا يقبله الله، وفي ذلك من التمحيص للأعمال والإنسان يقول التحيات الشيء الكثير.
(56) في تعليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصحابة على المنبر دليل على الهدف الحقيقي من المنبر الإسلامي يوم الجمعة، وأنه أحد مصادر تعليم الناس.
(57) صيغ التشهد التي وردت:
أ ـ تشهد ابن مسعود رضي الله عنه، وهو حديثه المذكور أعلاه.
ب ـ تشهد ابن عباس رضي الله عنهما، وهو: " التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أنها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله " وفي رواية:" عبده ورسوله " وفي رواية: بتنكير السلام "سلام "، وفي رواية: " وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله " بذكر الشهادة مرة واحدة.
ج ـ تشهد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: " التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله " وفي رواية:" وحده لا شريك له ".
د ـ تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "التحيات لله، الزاكيات لله، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا ... " بقيته مثل تشهد ابن مسعود رضي الله عنه.
(58) وتكميلا للفوائد سأذكر حكم التشهد: فقد اختلف أهل العلم في التشهد على قولين:
1ـ الجمهور إلى أنه سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نسيه لم يرجع إليه كما في حديث ابن بحينة رضي الله عنه في الصحيح.
2ـ وأحمد إلى أنه واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جبره بسجود سهو كما في حديث ابن بحينة رضي الله عنه أيضا.
والصحيح أنه واجب لأمور:
1ـ لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة كما يعلمهم السورة من القرآن.
2ـ لقوله في حديث أبي موسى " فليقل " وهي صيغة أمر وتفيد الوجوب.
3ـ لجبر النبي صلى الله عليه وسلم له بسجود سهو لما نسيه.
(59) ما الأفضل من صيغ التشهد؟ في ذلك تفصيل:
أ ـ اتفق العلماء على أن أي صيغة أتى بها المصلي فإنها مجزئة.
ب ـ لم يُخرّج في الصحيحين إلا حديث ابن مسعود رضي الله عنه فهو متفق عليه.
ج ـ واختلف أهل العلم بعد ذلك في الأفضل على أقوال:
1ـ فالحنفية وأحمد رحمهم الله رجحوا تشهد ابن مسعود رضي الله عنه: لأنه متفق عليه، وأصح سندا، وفيه زيادات.
2ـ والشافعية رجحوا تشهد ابن عباس رضي الله عنه لأنه من أصغر الصحابة، وأحدثهم فيكون تشهده من آخر الصيغ التي كان يعلمها الصحابة.
3ـ والمالكية رجحوا تشهد عمر رضي الله عنه لأنه كان يعلمه الصحابة على المنبر.
والأمر بحمد الله واسع، والاختلاف يسير.
(60) الجماهير على أن المصلي يختار نوعاً واحداً من الأدعية يقوله في صلاته، ولا يجمع بينها في صلاة واحدة، إلا وجها ضعيفا عند الشافعية أنه يجمع بينها في صلاته.
(61) الجماهير على أنه لا يقل البسملة في أوله، ولم يصح في ذلك حديث.
هذا ما استطعت جمعه، حامدا لربي ما منّ به عليّ، مستغفرا له عن ذنوب حجبتني عن درر الفوائد، وألطاف المسائل، سائله السداد والقبول، وصلى الله وسلم على نبينا.
ـ[ماهر]ــــــــ[10 - 10 - 08, 08:36 م]ـ
جزاكم الله كل خير ونفع بكم وزادكم من فضله.