تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبهذا نعلم ثبوت الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم في لبس خاتم الحديد؛ فليس بينهم اتفاق على قول واحد في هذا الباب، وروى ابن عبد البر في التمهيد بإسناده إلى أبي بكر بن الأثرم أنه قال: (قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل: ما ترى في خاتم الحديد؟ فقال: اختلفوا فيه؛ لبسه ابن مسعود، وقال ابن عمر: ما طهرت كف فيها خاتم من حديد).

وأثر النخعي الصواب فيه أنه من فقهه وفقه ابن مسعود رضي الله عنه، وأما ما رواه ابن سعد في الطبقات؛ فقال: أخبرنا جرير بن عبد الحميد الرازي عن مغيرة عن فرقد عن إبراهيم قال:" كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حديداً ملوياً عليه فضة"، فهذا المرسل لاتعويل عليه ولا يحتج به، فهو منكر من جهتين: 1 - أن راويه عن إبراهيم هو فرقد بن يعقوب السبخى، أبو يعقوب البصرى وهو ضعيف الحديث عند عامة الأئمة، والثقات الأثبات إنما يروونه عن النخعي كما تقدم من قوله، ومن فعل ابن مسعود رضي الله عنه. 2 - أن فرقد خالف منصور بن المعتمر الذي رواه عن النخعي مرسلاً عند ابن سعد في الطبقات بلفظ: " كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم فضى، وفيه: محمد رسول الله "، فهنا ابن المعتمر يرويه مرسلاً بذكرِ الفضة فحسب، وهو أصح عن النخعي.

- وقد صح الأثر عن جماعة من التابعين في لبس وجواز خاتم الحديد، منهم: ابن سيرين كما رواه عنه ابن أبي شيبة بسند صحيح وتقدم، وكذا: صحَّ عن الحارث بن لقيط النخعي الكوفي وهو تابعيٌّ كبيرٌ شهدَ القادسية ووثقه العجلي وابن حبان، بل عدَّه ابن حجر في التقريب من المخضرمين، ومنهم: أبو السوار العدوي حَسَّان بن حُرَيْث البصري، من كبار التابعين، روى له البخاري ومسلمٌ والنسائي، ووثقه ابن سعد وأبو داوود والنسائي.

ثالثا: أقوال أهل العلم

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال، دون تفريق في خاتم الحديد بين الرجال والنساء:

القول الأول: تحريم خاتم الحديد والمنع من لبسه، قال ابن بطال في شرحه على البخاري: (خاتم الحديد كان يُلبَسُ فى أول الإسلام ثم أمر النبى صلى الله عليه وسلم بطرحه)، ونحوه في كلام ملا القاري في المرقاة، وصحح أحاديث النهي لطُرُقِها، وحمل حديث سهل رضي الله عنه على المبالغة دون قصد الترخيص فيه، وحمل حديث المعيقيب على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم به ولا يلبسه، ولكنه اقتصر على الجزم بالكراهة، وذكر تصريح الحنفية بالقول بكراهة خاتم الحديد، والتحريم هو ماجزم به جمع من أئمة الحنفية كالبابرتي في العناية شرح الهداية وابن الهمام في شرحه على الهداية أيضاً وابن عابدين في حاشيته الدر المحتار وغيرهم وذكروا أن هذا هو ظاهر قول الإمام محمد بن الحسن الشيباني في الجامع الصغير: (ولا يتختم إلا بالفضة)، واكتفى بعض الحنفية كالكاساني في البدائع بإطلاق الكراهة والنهي ولم أرَ تصريحاً منهم بنفي التحريم، فالظاهر أن من أطلق الكراهة والنهي منهم إنما أراد التحريم.

والتحريم هي رواية في مذهب الإمام أحمد واختارها بعض أصحابه وحكاها ابن مفلح والمرداوي، فقول السيوطي في رسالته - الجواب الحاتم عن سؤال الخاتم –: (وأما التختم بسائر المعادن ماعدا الذهب فغير حرام بلا خلاف لكن هل يكره؟ وجهان)، فنفيه الخلاف على عدم التحريم تساهل منه رحمه الله.

وتحريم خاتم الحديد هو مذهب الشيخ الألباني رحمه الله كما في سلسلة الهدى والنور، ولكنه قصر التحريم على خاتم الحديد دون غيره من حلية الحديد كالسلاسل والأساور ونحوها، وحجته في ذلك أن هذه من المغيبات ومن الأمور التوقيفية التي لا يتجاوز فيها مورد النص.

قلت: حيث قيل بالنهي، فلا يقتصر النهي على الخاتم من حديد على الصحيح، بل كل ما تحلَّى به الناس من الحديد فهو داخل في النهي يشمله النص عند التأمل، فالحديث المروي أن خاتم الحديد حلية أهل النار مفهوم المعنى ظاهر الدلالة، فلأيِّ شئٍ يُحلَّوْنَ به ويلبسونه إلا ليتلهَّبَ عليهم ناراً، وهذا حاصل لهم في السلاسل والأغلال أيضاً، فهي في صورتها أشبهت الحلية وفي حقيقتها ناراً تلهَّبُ؛ نسأل الله السلامة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير