هذا الحديث مشهور متداول بين الفقهاء، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تقويته، إلا أنَّ هذا الحديث معلول سنداً ومتناً، أما علة سنده: فقد تفرّد به الدراوردي، قال الدارقطنيُّ فيما نقله عنه المنذريُّ في " مختصر سنن أبي داود " (804): ((تفرّد به الدراورديُّ عن محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي، عن أبي الزناد))، فتعقّبه المنذريُّ قائلاً: ((وفيما قاله الدارقطنيُّ نظر، فقد روى نحوه عبد الله بن نافع، عن محمد بن عبد الله بن حسن. وأخرجه: أبو داود، والترمذيُّ، والنَّسائيُّ من حديثه))، وقال أبو بكر بن أبي داود السجستانيُّ: ((وهذه سُنّة تفرّد بها أهل المدينة، ولهم فيها إسنادان هذا أحدهما، والآخر عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم)).
قلتُ: القول قول الدارقطنيِّ؛ لأنَّ عبد الله بن نافع خالف الدراورديَّ ولم يتابعه، فقد أخرج روايته أبو داود (841)، والترمذيُّ (269)، والنَّسائيُّ 2/ 207 وفي " الكبرى"، له (677) ط. العلمية و (681) ط. الرسالة، والبيهقيُّ 2/ 100 من طريق قتيبة بن سعيد، عن عبد الله بن نافع، عن محمد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يعتمدُ أحدُكم في صلاتهِ فيبرك ُ كما يبركُ البعيرُ)).
قلت: والمتفحص لمضمون الروايتين سيجد أنَّ عبارة: ((وليضعْ يديه قبلَ ركبتيهِ)) خالف بها الدراورديُّ عبد الله بن نافع، ويكون الدراوردي متفرّداً بها.
وقد ذهب الألبانيُّ في " إرواء الغليل " 2/ 77 (357) وتلميذه أبو إسحاق الحوينيُّ إلى أنَّ الدراوردي ثقة من رجال مسلم فلا يضرّ تفرّده بالحديث، وهذا ادعاء بلا دليل، فإنَّ الدراورديَّ صدوق. وقد تكلم أهل العلم في ضبطه، فقد نقل المزيُّ في " تهذيب الكمال " 4/ 528 (4058) عن أحمد بن حَنْبل أنَّه قال: ((كان معروفاً بالطلب وإذا حدّث من كتابه فهو صحيح، وإذا حدّث من كتب الناس وهم، وكان يقرأ من كتبهم فيخطئ))، ونقل ابن طهمان (289) عن يحيى بن معين أنَّه قال فيه: ((إذا روى من كتابه فهو أثبت من حفظه))، ونقل عن أبي زرعة قوله فيه: ((سيئ الحفظ فربما حدّث من حفظه الشيء فيخطئ))، ونقل عن النَّسائيِّ قوله فيه: ((ليس بالقوي))، وقال ابن سعد في " الطبقات " 5/ 492: ((وكان كثير الحديث، يغلط))، وذكره ابن حبان في " ثقاته " 7/ 116 وقال فيه: ((وكان يخطئ)).
فأقوال أهل العلم هذه دليل صريح على اختلال عنصر الضبط عند الدراورديِّ، فلا أدري لأي مسوغ أعطوه منزلة الثقة؟.
بما تقدم يتبين أنَّ حديث الدراوردي ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - إذا حدّث من كتابه فهو صحيح.
2 - إذا حدّث من كتب غيره يخطئ.
3 - إذا حدّث عن عبيد الله بن عمر فهو في كثير من الأحيان عن عبد الله المكبر وليس عن عبيد الله المصغر، وسيأتي بيان ذلك.
ومما يؤكد أنَّ هذا الحديث حدّث به الدراورديُّ من غير كتبه وأنَّه لم يضبطه، أنَّه رواه كما تقدم، وقال: ((وليضعْ يديه قبلَ ركبتيهِ)) ورواه عند البيهقيِّ 2/ 100 وجاء في روايته: ((وليضعْ يديه على ركبتيه)) والفرق بين الروايتين واضح جليٌّ، قال البيهقيُّ عقبه: ((كذا قال على ركبتيه، فإنْ كان محفوظاً كان دليلاً على أنَّه يضع يديه على ركبتيه عند الإهواء إلى السجود)).
وكل ما تقدم فإنَّما هو بيان حال السند، وأما علة المتن.
فكما تقدم أنَّ رواية الدراورديِّ: ((إذا سجد أحدُكم فلا يبركْ كما يبركُ البعير، وليضعْ يديه قبل ركبتيه)) ورواية عبد الله بن نافع: ((يَعمدُ أحدُكم في صلاتهِ فيبرك كما يبركُ البعيرُ)) وظاهر سياق الروايتين التعارض، ففي الأولى يمنع تقدم الركبتين، بل يضع يديه قبلهما، وأما الرواية الأخرى فظاهرها يوحي بمنع وضع اليدين قبل الركبتين، قال: ((فيبرك كما يبركُ البعيرُ)) والبعير إنَّما يضع يديه ثم ركبتيه، وكما هو ظاهر فإنَّ هاتين الروايتين لا يمكن الجمع بينهما وجاء ت رواية ثالثة: ((وليضعْ يديهِ على ركبتيه)) لتزيد هذا المتن اضطراباً.
¥