تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما لا شك فيه عندنا أن أبا حنيفة من أهل الصدق، ولكن ذلك لا يكفي ليحتج بحديثه حتى ينضم إليه الضبط والحفظ، وذلك مما لم يثبت في حقه رحمه الله، بل ثبت فيه العكس بشهادة من ذكرنا من الأئمة، وهم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم واتبع أقوالهم، ولا يمس ذلك من قريب ولا من بعيد مقام أبي حنيفة رحمه الله في دينه وورعه وفقهه، خلافا لظن بعض المتعصبين له من المتأخرين فكم من فقيه وقاض وصالح تكلم فيهم أئمة الحديث من قبل حفظهم، وسوء ضبطهم، ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعنا في دينهم وعدالتهم، كما لا يخفى ذلك على المشتغلين بتراجم الرواة. انتهى كلامه –رحمه الله-.

قال الشيخ المحدّث مقبل بن هادي الوادعي في "نشر الصحيفة": فجرحه له من أجل رأيه وتخليطه في الحديث، وتوثيقه من أجل أنه لا يكذب. ثم إن الجرح في أبي حنيفة مفسر. انتهى كلامه –رحمه الله-.

قال الإمام أبو حفص عمر ابن شاهين في "المختلف فيهم" (1/ 96) بعد ذكره كلام النقاد فيه: هذا الكلام في أبي حنيفة طريق ثقة طريق الروايات واضطرابها وما فيها من الخطأ لا أنه كان يضع حديثاً ولا يركب إسناداً على متن ولا متناً على إسناد ولا يدعي لقاء من لم يلقه كأن أرفع من ذلك وأنبل.

وقد فضله العلماء في الفقه منهم القاسم وابن معين والشافعي والمقرئ وابن مطيع والأوزاعي وابن المبارك ومن يكثر عدده.

ولكن حديثه فيه اضطراب وكان قليل الرواية وكان بالرأي أبصر من الحديث وإنما طعن عليه من طعن من الأئمة في الرأي، وإذا قل بصيرة العالم بالسنن وفتح الرأي تكلم فيه العلماء بالسنن.

(لَا يعْنِي تَجريحاً فِي أَبِي حَنِيفَةَ تَنقيصًا لَه فِي عُلُومِه الأُخَرَ)

قال الشيخ الألباني –رحمه الله- في (السلسلة الضعيفة) (1/ 661): وهذا هو الحق والعدل وبه قامت السماوات والأرض، فالصلاح والفقه شيء وحمل الحديث وحفظه وضبطه شيء آخر، ولكل رجاله وأهله، فلا ضير على أبي حنيفة رحمه الله أن لا يكون حافظا ضابطا، ما دام أنه صدوق في نفسه، أضف إلى ذلك جلالة قدره في الفقه والفهم، فليتق الله بعض المتعصبين له ممن يطعن في مثل الإمام الدارقطني لقوله في أبي حنيفة ضعيف في الحديث.

وقد سبقَ هذا واضحاً جلياً في كلام الألباني –رحمه الله- وفيما سيأتي من كلام الشيخ المعلمي –رحمه الله-

(قَوْلُ الإِمَامِ المُعلّمِي فِي أَبِي حَنِيفَةَ)

قال العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة": «لزم أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان يأخذ عنه مدة، وكان حماد كثير الحديث. ثم أخذ عن عدد كثير غيره كما تراه في مناقبه. وقلة الأحاديث المروية عنه لا تدل على قلة ما عنده، ذلك أنه لم يتصدى للرواية. وقد قدمنا أن العالم لا يكلف جمع السنة كلها. بل إذا كان عارفاً بالقرآن وعنده طائفة صالحة من السنة بحيث يغلب على اجتهاده الصواب كان له أن يفتي، وإذا عرضت قضية لم يجدها في الكتاب والسنة سأل من عنده علم بالسنة، فإن لم يجد اجتهد رأيه. وكذلك كان أبو حنيفة يفعل. وكان عنده في حلقته جماعة من المكثرين في الحديث كمسعر وحبان ومندل. والأحاديث التي ذكروا أنه خالفها قليلة بالنسبة إلى ما وافقه. وما من حديث خالفه إلا وله عذر لا يخرج إن شاء الله عن أعذار العلماء. ولم يدع هو العصمة لنفسه ولا ادعاها له أحد. وقد خالفه كبار أصحابه في كثير من أقواله. وكان جماعة من علماء عصره ومن قرب منه ينفرون عنه وعن بعض أقواله. فإن فرض أنه خالف أحاديث صحيحة بغير حجة بينة، فليس معنى ذلك أنه زعم أن العمل بالأحاديث الصحيحة غير لازم. بل المتواتر عنه ما عليه غيره من أهل العلم أنها حجة. بل ذهب إلى أن القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء اتباعاً لحديث ضعيف -وذكر ابن القيم في إعلام الموقعين مسائل أخرى لأبي حنيفة من هذا القبيل وكذلك غيره- ومن ثُمّ ذكر أصحابه أن من أصله تقديم الحديث الضعيف –بله الصحيح– على القياس». انتهى قوله رحمه الله.

هذا وآخر القول: رحم الله الإمام الأعظم " أبو حنيفةَ " وجزاهُ الله عن المسلمين خيراً , وغفر له زلله , فقد أفضى إلى ما قدّم!.

انتهى.

قال الشيخ السعد: أبو حنيفة من أجلة أهل العلم واشتغل بالفقه أكثر من الحديث فلم يضبط الحديث , فتكلم بعض المحدثين في ضبطه كالبخاري وابن عدي والعقيلي وغيرهم , وذكر ابن رجب قاعدة في شرح العلل: إن الفقهاء لا يحفظون أسانيد الحديث , مع أن هناك من يتقن كليهما كالبخاري وأحمد والشافعي.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير