ولكنَّه في هذا البحث الطويل لم ينسب الحديث إلى الربيع ولا إلى أبي عبيدة ولا إلى جابر ولا إلى علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، كما لو كان الربيع لم يروه أصلاً!
نفس التناقض والإشكال!
وهذا التجاهل المزدوج المتكرِّر: تجاهل فقهاء المذهب الكبار لأحاديث المسند، وتجاهل جامع المسند للأحاديث التي يرويها الفهاء الكبار، لافت للنظر!
وليس له حلّ إلا القول بتلفيق المسند!
(4) جاء في المدوَّنة 1/ 43: (سألت حاتم بن منصور: من أين أصلي سجدتي الوهم؟ فسِّره لي. قال: حدثني غير واحد ممن أثق به من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه يوماً فنسي بعض صلاته، فلما انصرف قال له بعضهم: يا نبي الله؛ لقد صليت بنا كذا وكذا أفحدث في الصلاة شيء أم أمرت فيها بشيء؟ قال: أوَ قد فعلتُ؟ قالوا: نعم. قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، وإذا نسيت فذكروني. واستقبل القبلة بعد كلامهم إياه وكلامه إياهم، فصلى بهم ما كان نسي وبنى على ما كان صلى، ثم سجد سجدتي الوهم وهو قاعد، ولم يقرأ فيها ولم يركع، ولكنه حين فرغ منها تشهد وسلّم. وهما تسميان المرغمتين، وهما بإذن الله يصلحان ما كان قبلهما من السهو والنسيان.
قال أبو المؤرج: هذا حديث منسوخ لا يؤخذ به، وقد وجب على من تكلم في صلاته أن يعيد الصلاة).
فهذا كالسابق! حديث يصرِّح أبو المؤرِّج بأنه منسوخ لا يؤخذ به!
المشكلة أن هذا الحديث المنسوخ ثابت في مسند الربيع ولم يقل إنه منسوخ!
وإليك الباب في مسند الربيع:
الباب الثاني والأربعين: في السهو في الصلاة
246 - أبو عبيدة عن جابر بن زيد قال: بلغني عن رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: ان أحدكم اذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه صلاته حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس.
قال الربيع: قال أبو عبيدة: ذلك اذا كان الرجل خلف امامه وأما اذا كان وحده فليعد صلاته.
247 - أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له صوت حتى لا يسمع التأذين فاذا مضى النداء أقبل حتى اذا ثوب أدبر حتى اذا مضى أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيقول له اذكر كذا اذكر كذا حتى يصلي الرجل ولا يدري كم صلى.
248 - أبو عبيدة عن جابر بن زيد قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم من اثنتين فقيل له: يا رسول الله أقصرت الصلاة فقام فأتم ما بقي من الصلاة وسجد سجدتين بعد السلام.
فالحديث الذي رواه حاتم بن منصور عن مجاهيل يثق بهم، وصرّح أبو المؤرِّج بأنه منسوخ لا يؤخذ به، قد رواه الربيع بأصحِّ الأسانيد عندهم (الربيع عن أبي عبيدة عن جابر)، ولم يقل هؤلاء الثلاثة - وهم أعظم الأئمة في نظر الإباضية - بأنه منسوخ! مع شدَّة الحاجة إلى بيان النسخ لو وُجد، لأن العمل عند جمهور المسلمين عليه، ومسألة السهو في الصلاة من ألزم المسائل للناس!
وقد جهل حاتم بن منصور هذه الرواية وأسند الحديث إلى مجاهيل! وأبو المؤرِّج أيضاً! ولم يعترض أبو غانم على دعوى النسخ - وما أكثر اعتراضاته على أبي المؤرِّج! - بأن الحديث ثابت في مسند الربيع عن أبي عبيدة عن جابر، وبأنهم لم يذكروا أنه منسوخ!
وطبعاً من غير المعقول أن يجهل أبو غانم وأبو المؤرِّج وحاتم بن منصور، روايات شيوخ المذهب الثلاثة إلى هذا الحدّ!
فهذه التناقضات الغريبة، والإشكالات الهائلة، لا حلَّ لها - في نظر الباحث المتجرِّد - إلا الحكم على مسند الربيع بأنه منحول!
وقد تكرَّر مثل هذا مع ابن بركة، وهو الفقيه المعتبر عندهم، فحكمت عليه الإباضية المعاصرة بالوهم لإنقاذ المسند المقدَّس!
(5) جاء في المدوَّنة 1/ 47 (سألت الربيع فقلت: أوَ أردّ السلام على الرجل إذا سلّم عليّ وأنا في الصلاة؟ قال: لا. وكذلك قال أبو المؤرِّج، وروى لي عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلّم عليه أحد وهو في الصلاة رد عليه السلام، فسلم عليه رجل وهو يصلي فلم يرد عليه شيئاً، فظن الرجل أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منعه من رد السلام عليه سخطه له، فجلس الرجل حتى انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله ونبيه من سخطهما، سلمت عليك يا نبي الله فلم ترد عليّ شيئاً، فقال عليه الصلاة
¥