ومعنى هذا الكلام أن الأصل في حديث حماد: القبول ما لَمْ يخالف الثقات.
وهذا يجري في حق من هو أجل وأحفظ من حماد.
والله أعلم.
فصلٌ
في خطأ حماد بن سلمة هل هو في المتن أم الإسناد؟
الذي يظهر أن خطأه في الإسناد أغلب؛ والدليل على ذلك:
1. ما قاله أحمد -بعد أن ذكر كلاماً ليحيى بن سعيد القطان في رواية حماد عن قيس بن سعد، وسأله ابنه عبدالله: لأي شيءٍ قال هذا؟ -: (لأنه روى عنه أحاديث رفعها إلى عطاء عن ابن عباس عن النبي e)([38]).
2. وقول أحمد في رواية حنبل: (حماد بن سلمة يسند عن أيوب أحاديث لا يسندها الناس عنه) ([39]).
3. ما قاله الخليلي ([40]): (ذاكرت يوماً بعض الحفاظ؛ فقلت: البخاري لم يخرج حماد بن سلمة في الصحيح وهو زاهد ثقة؟ فقال: لأنه جمع بين جماعة من أصحاب أنس، فيقول: حدثنا قتادة، وثابت، وعبد العزيز بن صهيب. وربما يخالف في بعض ذلك. فقلت: أليس ابن وهب اتفقوا عليه، وهو يجمع بين أسانيد؛ فيقول: حدثنا مالك، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، والأوزاعي، بأحاديث، ويجمع بين جماعة غيرهم؟ فقال: ابن وهب اتقن لما يرويه وأحفظ له).
قال ابن رجب معلقاً: (ومعنى هذا: أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة، وساق الحديث سياقةً واحدة، فالظاهر أن لفظهم لم يتفق، فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم، كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك وغيره) ([41]).
قلت: فجمعُ حمادٍ لأكثر من شيخ له في الحديث الواحد، وبين روايتهم اختلاف في المتن أو الإسناد، مع عدم الفصل بين رواياتهم بعضها عن بعض؛ يعتبر من الغلط.
والأخطاء التي وقفنا عليها من حديث حماد من روايته عن محمد بن عمرو، جميعها في الإسناد.
وما تقدم لا ينفي وقوع خطئه في المتن، فقد يختصر حديث الراوي في بعض الأحيان، وذلك يؤدي إلى خطئه.
قال الخطيب ([42]): (سئل أبو عاصم النبيل: يُكره الاختصار في الحديث؟ قال: نعم؛ لأنهم يخطئون المعنى ... قال عنبسة: قلت لابن المبارك: علمت أن حماد بن سلمة كان يريد أن يختصر الحديث، فيقلب معناه. قال: فقال لي: أو فطنت له؟).
وقال ابن عدي –بعد ذكره عدداً من الأحاديث تبلغ (29) حديثاً بحذف المكرر-: (وهذه الأحاديث التي ذكرتها لحماد بن سلمة منه ما ينفرد حماد به، إما متناً وإما إسناداً، ومنه ما يشاركه فيه الناس ... ولحماد بن سلمة هذه الأحاديث الحسان والأحاديث الصحاح التي يرويها عن مشايخه وله أصناف كثيرة كتب ومشايخ كثيرة) ([43]).
وهذا يفيد تقوية ابن عدي لحماد، وأن هذه الأخطاء لم تؤثر على حديثه كثيراً.
والأحاديث التي ساقها ابن عدي: بعضها من رواية حماد عن ثابت، وبعضها توبع حمادٌ عليها، فهي صحيحة.
وبعضها مما نبه ابن عدي على خطأ حمادٍ فيها، وهي الأقل.
وبعضها في المتن، وبعضها في الإسناد.
والذي يظهر أن حماداً يحدث من حفظه كثيراً؛ قال يحيى بن سعيد القطان: (كنا نأتي إليه وليس معه كتاب). وهذا يدل على أنه يُكثر من التحديث من حفظه، وذلك مظنة الخطأ، وتقدم قول البيهقي: (حماد ساء حفظه في آخر عمره).
إضافةً لذلك: ضياع بعض كتب شيوخه عنه، كقيس بن سعد كما تقدم.
والله أعلم.
فصلٌ
في الرواة عن حماد بن سلمة
قال يحيى بن معين: (من أراد أن يكتب حديث حماد بن سلمة فعليه بعفان بن مسلم).
وقال النسائي: (أثبت أصحاب حماد بن سلمة: ابن مهدي، وابن المبارك، وعبد الوهاب الثقفي) ([44]).
قلت: ومنهم يحيى بن سعيد القطان، فهو من أجلهم، وأعلمهم بحماد. وتقدم ما يدل على ذلك.
قال علي بن المديني:
قلت ليحيى: حملت عن حماد بن سلمة إملاءً؟
قال: نعم إملاء، كلها إلا شيء كنت أسأله عنه في السوق، فأتحفظه.
قلت ليحيى: كان يقول حدثني وثنا؟.
قال: نعم يجيء بها عفواً حدثني وثنا ([45]).
والله تعالى أعلم.
· تنبيهان:
- قال ابن عدي: حدثنا ابن حماد، حدثني عبدالله بن أحمد، قال: سمعت يحيى بن معين -أو قال أبي ([46])، شك ابن حماد - قال يحيى بن سعيد: إن كان ما يروى حماد بن سلمة عن قيس بن سعد فهو ... كذاب. قلت: لأي شيء؟ قال: لأنه روى عنه أحاديث رفعها الى عطاء عن ابن عباس عن النبي e([47]).
¥