9 - تبين لي بعد دراسة أسانيد الأحاديث التي قال الترمذي فيها: (حسن غريب) عدم دقة قول بعض أفاضل العلماء من أنه يريد بهذه العبارة الحسن لذاته.
10 - ترجح لدي أن الترمذي يحكم على حديث متوسط الحفظ أو خفيف الضبط بالصحة حيناً وبالحسن حيناً وبالحسن مع الغرابة حيناً آخر
11 - يحتج الترمذي بغالب الأحاديث التي يطلق عليها (الحسن) إلا أن بعضها لا يكون حجة عنده , وبناء عليه فأرى أن الذهبي- رحمه الله – لم يحالفه الصواب حين قال: عند المحاققة فغالب تحسينات الترمذي ضعاف.
12 - ترجح لي أنه لا يوجد خلاف بين ما يقول فيه الترمذي (صحيح) و (حسن صحيح) , وأن معنى (حسن صحيح) يعني غالباً أن الحديث روي بإسناد حسن وبإسناد صحيح , ولو كان أحد الإسنادين لا يطابق من حيث ألفاظ متنه الإسناد الآخر وإنما يشهد له من حيث المعنى , وقد ناقشت قول الحافظ ابن حجر والدكتور نور الدين عتر أن (صحيح) أقوى من (حسن صحيح) عند الترمذي, وبينت بالأدلة عدم دقة ذلك.
13 - تتفق تعاريف العلماء للحديث الحسن لذاته على أنه يمثل منزلة وسطى فوق الضعيف ودون الصحيح , كما أنها تتفق على أن مما أوجب قصوره عن الصحيح وجود بعض الضعف فيه فهو بهذا الاعتبار أعلى مراتب الضعيف, وأنزل مراتب الصحيح.
14 - أرى أن تبين استعمالات المحدثين للحسن أولى من صنيع بعض المصنفين في علم مصطلح الحديث من البحث عن تعريف يميز الحسن لذاته عن غيره ويكون جامعاً مانعاً , لأنه من الثابت يقيناً أن جمهرة من علماء الحديث يطلقون الحسن على الصحيح , وبعضهم أدخلوا الحسن لذاته في صحاحهم.
15 - لم أجد من المحدثين قبل ابن الصلاح من قصر (الحسن) في استعماله على الحديث الحسن لذاته فقط إلا أن عدداً من المحدثين قبل ابن الصلاح يدخلون الحسن لذاته فيما يحسنونه باعتبار أن لفظ (الحسن) علم على الحديث المقبول غير المردود في نظر من استحسنه إذا كان تحسينه للاحتجاج.
16 - ترجح لي صحة كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في أن الترمذي هو أول من أشتهر عنه تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف , وكان غالب صنيع الأئمة قبله تقسيم الحديث إلى صحيح وضعيف , ولم يكن التقسيم الثلاثي مستقراً ومشتهراً قبل الترمذي ,ولا يلزم من هذا نفي استعمال لفظ (الحسن) في وصفهم للأحاديث , لأن ورود اللفظ في عباراتهم لا يعني أن للحسن عندهم منزلة وسطى بين الصحيح والضعيف.
17 - من الملفت للنظر أن كتب أصول الحديث القديمة كالمحدث الفاصل ومعرفة علوم الحديث , والكفاية خلت تماماً من أي تعريف للحديث الحسن, بل حتى تعريف الترمذي لم يتطرقوا إليه.
18 - الصحيح أن حديث المختلف في توثيقه لا يعد كله حسناً , بل يقسم إلى ثلاثة أقسام الأول: رواة يمكن التفصيل في مروياتهم ,
الثاني: من لا يمكن التفصيل في مروياتهم ولكن يمكن الترجيح بين الموثفين والمضعفين ببعض المرجحات المعتبرة,
الثالث: في حالة عدم التمكن مما تقدم يحكم على حديث المختلف فيه بأنه صدوق يخطىء ولا يحتج بما ينفرد به.
19 - تبين لي رجحان قول من لم يحتج بحديث الصدوق إذا انفرد بما لا يحتمل له والاحتجاج بتفرده إذا كان محتملاً.
20 - الحسن لذاته حجة إذا كان راويه لم ينفرد بما لا يحتمل له, وحققت أن ما قيل من أن البخاري لا يحتج بالحسن كلام باطل , وأن الادعاء بأن أبا حاتم الرازي لا يحتج بالحسن مطلقاًًً غير صحيح وتنقصه الدقة, وكذا الزعم بأن أبن العربي المالكي لا يحتج به مطلقا ,هو زعم تناقضه الأدلة الواضحة من كلامه.
21 - حقيقة الحسن لغيره هو اعتضاد حديث ضعيف صالح للتقوية بحديث مثله، وأما تقوية حديث ضعيف بحديث صحيح، فالأولى في نظري عدم إدراجه في الحسن لغيره.
22 - ترجح لي أن مجموع الطرق الضعيفة لا تبلغ بالحديث إلى مرتبة الصحيح لغيره إلا أن يوجد حديث حسن لذاته يعضد تلك الطرق الضعيفة.
23 - ترجح لي أن مرسل التابعي الكبير بعد اعتضاده لا يكون في نظر الشافعي حجة ملزمة كما هي الحال في الحديث المتصل الصحيح، كما أن الشافعي فيما ظهر لي لم يقل بتقوية شيء من الأحاديث الضعيفة بغيره إلا مرسل التابعي الكبير فقط.
24 - من أهم شروط تقوية الحديث الضعيف غير ما ذكره الترمذي في تعريفه للحسن، شرط حصول غلبة ظن من مجموع الطرق الضعيفة، وهذا الشرط يستلزم النظر في جملة من القرائن المانعة من الاعتبار ببعض الأسانيد الضعيفة.
25 - لم يلتزم النقاد المتقدمون بتقوية كل ضعيف معتبر به إذا كان للمتن الذي يرويه شاهد من وجه آخر ولو كان محفوظا وثابتا، كما أن هناك جملة من الأحاديث قواها بعض المتأخرين لمجموع طرقها، ولم يفعل بعض المتقدمين ذلك.
26 - الراجح أن بعض الحسن لغيره يكون حجة، وأن بعضه لا يكون كذلك على تفصيل ذكرته فيما تقدم.
27 - الصحيح أن مسألة الاحتجاج بالحسن لغيره مسألة خلافية، لا كما يزعم بعض الباحثين المعاصرين أنه إجماع أو كالإجماع.