تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما قوله (أمتى كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره) مع أن فيه لِينا فمعناه فى المتأخرين من يشبه المتقدمين ويقاربهم حتى يبقى لقوة المشابهة والمقارنة لا يدرى الذى ينظر إليه أهذا خير أم هذا وإن كان أحدهما فى نفس الأمر خيرا فهذا فيه بشرى للمتأخرين بأن فيهم من يقارب السابقين كما جاء فى الحديث الآخر (خير أمتى أولها وآخرها وبين ذلك ثبج أو عوج وددت انى رأيت إخوانى قالوا أو لسنا إخوانك قال أنتم أصحابى) هو تفضيل للصحابة فان لهم خصوصية الصحبة التى هى أكمل من مجرد الأخوة

وكذلك قوله (اى الناس اعجب إيمانا) إلى قوله (قوم يأتون بعدى يؤمنون بالورق المعلق) هو يدل على ان إيمانهم عجب أعجب من إيمان غيرهم ولا يدل على انهم أفضل فان فى الحديث أنهم

ذكروا الملائكة والأنبياء ومعلوم أن الأنبياء أفضل من هؤلاء الذين يؤمنون بالورق المعلق

ونظيره كون الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء فإنه لا يدل على أنهم بعد الدخول يكونون أرفع مرتبة من جميع الأغنياء وإنما سبقوا لسلامتهم من الحساب

وهذا باب التفضيل بين الأنواع فى الأعيان والأعمال والصفات أو بين أشخاص النوع باب عظيم يغلط فيه خلق كثير والله يهدينا سواء الصراط) مجموع الفتاوى (11/ 371 ـ 372).

وقال رحمه الله:

(وكل من خالف ما جاء به الرسول لم يكن عنده علم بذلك ولا عدل بل لا يكون عنده إلا جهل وظلم وظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى وذلك لأن ما أخبر به الرسول فهو حق باطنا وظاهرا فلا يمكن أن يتصور أن يكون الحق فى نقيضه وحينئذ فمن اعتقد نقيضه كان اعتقاده باطلا والاعتقاد الباطل لا يكون علما وما أمر به الرسول فهو عدل لا ظلم فيه فمن نهى عنه فقد نهى عن العدل ومن أمر بضده فقد أمر بالظلم فإن ضد العدل الظلم فلا يكون ما يخالفه إلا جهلا وظلما ظنا وما تهوى الأنفس وهو لا يخرج عن قسمين أحسنهما أن يكون كان شرعا لبعض الأنبياء ثم نسخ وأدناهما أن يكون ما شرع قط بل يكون من المبدل فكل ما خالف حكم الله ورسوله فإما شرع منسوخ وإما شرع مبدل ما شرعه الله بل شرعه شارع بغير إذن من الله كما قال {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله} لكن هذا وهذا قد يقعان فى خفى الأمور ودقيقها باجتهاد من أصحابها استفرغوا فيه وسعهم فى طلب الحق

ويكون لهم من الصواب والاتباع ما يغمر ذلك كما وقع مثل ذلك من بعض الصحابة فى مسائل الطلاق والفرائض ونحو ذلك ولم يكن منهم مثل هذا فى جلى الأمور وجليلها لأن بيان هذا من الرسول كان ظاهرا بينهم فلا يخالفه إلا من يخالف الرسول وهم معتصمون بحبل الله يحكمون الرسول فيما شجر بينهم لا يتقدمون بين يدى الله ورسوله فضلا عن تعمد مخالفة الله ورسوله

فلما طال الزمان خفى على كثير من الناس ما كان ظاهرا لهم ودق على كثير من الناس ما كان جليا لهم فكثر من المتأخرين مخالفة الكتاب والسنة ما لم يكن مثل هذا فى السلف

وإن كانوا مع هذا مجتهدين معذورين يغفر الله لهم خطاياهم ويثيبهم على اجتهادهم

وقد يكون لهم من الحسنات ما يكون للعامل منهم أجر خمسين رجلا يعملها فى ذلك الزمان لأنهم كانوا يجدون من يعينهم على ذلك وهؤلاء المتأخرون لم يجدوا من يعينهم على ذلك لكن تضعيف الأجر لهم فى أمور لم يضعف للصحابة لا يلزم أن يكونوا أفضل من الصحابة ولا يكون فاضلهم كفاضل الصحابة فإن الذى سبق إليه الصحابة من الإيمان والجهاد ومعاداة أهل الأرض فى موالاة الرسول وتصديقه وطاعته فيما يخبر به ويوجبه قبل أن تنتشر دعوته وتظهر كلمته وتكثر أعوانه وأنصاره وتنتشر دلائل نبوته بل مع قلة المؤمنين وكثرة الكافرين والمنافقين وانفاق المؤمنين أموالهم فى سبيل الله ابتغاء وجهه فى مثل تلك الحال أمر ما بقى يحصل مثله لأحد كما فى الصحيحين عنه لا تسبوا أصحابى فوالذى نفسى بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وقد استفاضت النصوص الصحيحة عنه أنه قال خير القرون قرنى الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فجملة القرن الأول أفضل من القرن الثانى والثانى افضل من الثالث والثالث أفضل من الرابع لكن قد يكون فى الرابع من هو أفضل من بعض الثالث وكذلك فى الثالث مع الثانى وهل يكون فيمن بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة المفضولين لا الفاضلين هذا فيه نزاع وفيه قولان حكاهما القاضى عياض وغيره ومن الناس من يفرضها فى مثل معاوية وعمر بن عبدالعزيز فان معاوية له مزية الصحبة والجهاد مع النبى وعمر له مزية فضيلته من العدل والزهد والخوف من الله تعالى وبسط هذا له موضع آخر

) المصدر السابق (13/ 64 ـ 66).

قلت: وهذا لايمنع أن يكون بعض المتأخرين أفضل من بعض الذين شملهم اسم الصحبة كمن ليس له إلاّ رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم حجة الوداع فقط كأئمة الإسلام وعلماء الأمة الذين جمعوا إلى العلم العمل والجهاد في سبيل الله كالأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وابن المبارك والأوزاعي وشيخ الإسلام لاشكّ أنهم أفضل من بعض الصحابة الذين لم يكونوا من العلماء بل كانوا من عامة الناس. والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير